في تقرير طبي لافت صدر عن أطباء في المملكة المتحدة، كُشف عن أن فحص العين قد يكون أداة غير تقليدية لكنها فعّالة للكشف المبكر عن أكثر من 270 حالة مرضية خطيرة، بعضها لا يرتبط بشكل مباشر بالعين، العيون، بحسب الأطباء، لا تُعبّر فقط عن المشاعر، بل أيضاً تكشف بوضوح عن خفايا صحية دقيقة قد لا يظهر لها أعراض في بداياتها.
من بين هذه العلامات، تُعتبر البقع الداكنة على القزحية تنبيهاً مرئياً قد يدل ببساطة على التعرض الزائد لأشعة الشمس، لكن في حالات نادرة قد تنذر بسرطان العين، وهو مرض صامت لا يظهر غالباً في بدايته بأعراض واضحة، كما أن اصفرار بياض العين قد يُشير إلى تدهور في وظائف الكبد، ما قد يؤدي في مراحل لاحقة إلى تندب دائم في الأنسجة.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالبقع الحمراء في العين، التي غالبًا ما يتم تجاهلها أو تُفسَّر بقلة النوم أو الإجهاد البصري، قد تكون في الحقيقة مؤشراً على ارتفاع ضغط الدم أو اضطرابات الكوليسترول، هذه الحالات تؤثر بشكل مباشر على الأوعية الدقيقة في العين، ما يجعل من الفحص البصري مرآة لصحة الدورة الدموية في الجسم.
صحيفة Mail Online البريطانية نقلت عن عدد من الأطباء تأكيدهم أن فحص العين البسيط في العيادات يمكن أن يُستخدم للكشف المبكر عن أمراض شائعة وخطيرة مثل السكري، وأمراض القلب، وارتفاع الضغط، وحتى السرطانات، وذلك قبل أن تظهر أي أعراض عضوية أخرى في الجسم.
وشرح الدكتور راج داسغوبتا، أحد كبار الأطباء في مستشفى "سليبوبوليس"، أن العيون تتضمن أنسجة وأوعية دقيقة تجعلها من أولى مناطق الجسم التي تتأثر سريعا بأي تغيّرات صحية، ما يسمح للأطباء باكتشاف إشارات الإنذار المبكر لمجموعة كبيرة من الأمراض المزمنة والمهددة للحياة.
من جانبها، أوضحت الدكتورة جاكلين بوين، رئيسة الجمعية الأمريكية لطب العيون، أن الأطباء المتخصصين في هذا المجال نجحوا في عام 2019 وحده في تشخيص أكثر من 431 ألف حالة سكري لم يكن المرضى يعلمون بها، مؤكدة أن أمراضًا كثيرة تُكتشف من خلال تغيرات صغيرة في أنسجة العين أو لونها.
السكري، الذي يصيب قرابة 40 مليون شخص في الولايات المتحدة وحدها، يُعد أحد أبرز الأمراض التي تترك بصمتها على العين من خلال التأثير على الأوعية الدموية الدقيقة، ما يؤدي إلى ما يعرف باعتلال الشبكية السكري، وهو السبب الرئيسي للعمى لدى البالغين في سن العمل، كما أن ارتفاع ضغط الدم قد يؤدي إلى تضييق أو تمزق في الأوعية، مما ينتج عنه احمرار غير مبرر أو مستمر في العين.
أما السرطانات، فبعضها يظهر من خلال بقع غير معتادة أو تورمات، مثل سرطان الميلانوما العيني، الذي قد لا يُسبب أعراضًا مبكرة لكنه يُكتشف من خلال فحص دقيق للعين، هذا بالإضافة إلى أورام نادرة مثل الرتينوبلاستوما، التي تظهر كبقعة بيضاء ساطعة في صور الأطفال، أو سرطانات الثدي والرئة التي قد تنتقل إلى العين وتسبب فقداناً جزئياً للرؤية.
كما يمكن لأمراض مناعية مثل التهاب المفاصل الروماتويدي أن ترفع من مخاطر الإصابة بالجلوكوما، وهو ارتفاع ضغط العين الذي يؤدي تدريجياً إلى تلف العصب البصري، ومع استمرار الالتهاب غير المعالج، قد يفقد المريض الرؤية بشكل تدريجي دون أن يشعر في بدايات المرض.
ويؤكد الأطباء أن أفضل وسيلة للوقاية هي إجراء فحوصات دورية للعين، حيث تُوصى الفئات المصابة بأمراض مزمنة مثل السكري أو ارتفاع الضغط بإجراء فحص شامل سنوي، فيما يمكن للأشخاص الأصحاء الاكتفاء بفحص كل سنتين إلى ثلاث سنوات، وتظل الأعراض المبكرة مثل صعوبة التكيّف مع الضوء، الحساسية، أو حتى الدموع المفرطة، إشارات لا ينبغي إهمالها.