الانقلاب الصيفي
لماذا يتأخر الصيف المناخي؟ الانقلاب الصيفي يفسر الفارق بين الفلك والطقس!
كتب بواسطة: محمد الخوري |

تشهد المملكة العربية السعودية غدًا السبت، الموافق 21 يونيو 2025، ظاهرة فلكية بارزة وهي "الانقلاب الصيفي"، الذي يمثل البداية الرسمية لفصل الصيف في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، ففي تمام الساعة 05:42 صباحًا بتوقيت مكة المكرمة، ستكون الشمس عمودية تمامًا فوق مدار السرطان، في مشهد سنوي يعكس أقصى ميل لمحور الأرض نحو الشمس، ويعلن بدء موسم طويل يمتد هذا العام لمدة 93 يومًا و15 ساعة و37 دقيقة.

هذه الظاهرة ليست فقط إيذانًا ببدء الصيف فلكيًا، بل تأتي معها تغيرات ملموسة في حركة الشمس وساعات النهار، إذ تشرق الشمس من أقصى الشمال الشرقي وتغرب في أقصى الشمال الغربي، وتكون ظلال الأجسام في وقت الظهيرة هي الأقصر طوال العام، ويأخذ مسار الشمس في السماء أعلى قوس له، ما يجعلها في أعلى ارتفاع يمكن مشاهدته خلال السنة، خصوصًا في المناطق الواقعة شمال خط الاستواء، مما يفسر سبب ازدياد شدة الإضاءة خلال هذه الفترة.

وبحسب ما ذكره رئيس الجمعية الفلكية بجدة، المهندس ماجد أبو زاهرة، فإن الانقلاب الصيفي يمثل اللحظة التي تبلغ فيها الشمس ظاهريًا أقصى نقطة شمالية لها في السماء، ويحدث ذلك نتيجة ميل محور الأرض بمقدار 23،5 درجة، ما يجعل النصف الشمالي من الأرض موجهًا مباشرة نحو الشمس، منتجًا بذلك أطول نهار وأقصر ليل في السنة لهذه المنطقة، في حين تعيش دول النصف الجنوبي ظروفًا معاكسة تمامًا، حيث يحل الانقلاب الشتوي لديهم.

ويثير توقيت هذه الظاهرة تساؤلات متكررة حول سبب اختلاف موعدها من عام لآخر، يوضح أبو زاهرة أن الانقلاب لا يحدث في نفس اليوم كل سنة، بل يتراوح عادة بين 20 و22 يونيو، وذلك بسبب الفرق البسيط بين السنة التقويمية (365 يومًا) والسنة المدارية (365،2422 يومًا)، فضلًا عن تأثيرات الجاذبية الناتجة عن حركة القمر والكواكب، إلى جانب التذبذب الطبيعي في دوران الأرض، ولتعويض هذا الفارق، يتم إضافة يوم كبيس كل أربع سنوات في التقويم الميلادي.

ومن الضروري التفرقة بين مفهومي الصيف الفلكي والصيف المناخي، ففي حين يُعرِّف الفلكيون بداية الصيف بلحظة الانقلاب الصيفي، يرى علماء الأرصاد الجوية أن الصيف يمتد من 1 يونيو إلى 31 أغسطس، اعتمادًا على بيانات درجات الحرارة المتراكمة ومعدلات الطقس الموسمية، ما يعكس نهجًا عمليًا يختلف عن الحسابات الفلكية الصارمة.

ورغم أن يوم الانقلاب الصيفي هو الأطول من حيث عدد ساعات ضوء الشمس، إلا أنه لا يُعتبر بالضرورة أكثر أيام السنة حرارة، فالمحيطات واليابسة والغلاف الجوي تحتاج إلى وقت لامتصاص وتخزين الطاقة الشمسية قبل إعادة إطلاقها، وهي عملية تُعرف بالتأخر الموسمي، تجعل درجات الحرارة تبلغ ذروتها عادة في شهري يوليو أو أغسطس، لا في يونيو كما يظن البعض.

وتحمل هذه الظاهرة الفلكية دلالات تاريخية وعلمية مهمة، فقد استغلها الفلكي اليوناني الشهير إراتوستينس قبل أكثر من ألفي عام لحساب محيط الأرض باستخدام أدوات بسيطة وظلال الشمس في مدينتين مختلفتين، ليخرج بتقدير مدهش الدقة قياسًا إلى زمنه، يُعد من أعظم إنجازات العلم القديم.

وبعد هذا اليوم، تبدأ الشمس ظاهريًا بالتحرك تدريجيًا نحو الجنوب، ما يترجم إلى تقليص في عدد ساعات النهار يومًا بعد يوم، إلى أن نصل إلى الاعتدال الخريفي في 22 سبتمبر المقبل، حيث يتساوى الليل والنهار من جديد، قبل أن تدخل الأرض طورًا فلكيًا جديدًا مع اقتراب الشتاء

الأكثر قراءة
آخر الاخبار