أكدت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية في المملكة العربية السعودية أن استهداف المرافق النووية المخصصة للأغراض السلمية يُعد خرقًا صارخًا للقرارات الدولية ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، فضلًا عن مخالفته للنظام الأساسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، جاء هذا التصريح الحازم في ظل التصعيد المتزايد في المنطقة، على خلفية الهجمات الإسرائيلية التي طالت منشآت نووية داخل إيران، والتي أثارت موجة قلق إقليمي ودولي واسع.
الموقف السعودي عبّر بوضوح عن إدانة أي تهديدات أو هجمات قد تمس البنية التحتية النووية ذات الطابع السلمي، وشدد على أهمية احترام الالتزامات الدولية وعدم الزج بالمرافق النووية في أتون الصراعات المسلحة، لما لذلك من آثار كارثية محتملة على الأمن الإقليمي والسلامة البيئية، ليس في المنطقة فحسب، بل في العالم بأسره.
وكانت تل أبيب قد هددت في وقت سابق بتوسيع نطاق عملياتها العسكرية لتشمل المنشآت النووية الإيرانية، وهو ما اعتبره مراقبون تصعيدًا خطيرًا يهدد بتغيير قواعد الاشتباك في الشرق الأوسط، وفي هذا السياق، أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنها تراقب الوضع عن كثب وتُجري تقييماً دقيقاً للهجمات التي وقعت مؤخرًا في إيران، وبالأخص ما ورد عن تعرض مفاعل "خنداب" الذي يعمل بالماء الثقيل للقصف.
ورغم أن الوكالة لم تُبلغ حتى الآن عن وجود أي آثار إشعاعية نتيجة الهجوم، إلا أن مجرد استهداف منشأة نووية فعالة يُنذر بعواقب وخيمة، ويقوّض الضمانات الدولية المتعلقة بالأمن النووي، كما يُعيد هذا التطور التذكير بخطورة تحول المنشآت النووية إلى أهداف عسكرية في النزاعات، في وقت تستمر فيه الجهود الدولية لإبقاء هذه المنشآت تحت مظلة الاستخدام السلمي الخاضع للرقابة.
المفاعل الإيراني "خنداب" يُعد جزءًا من برنامج نووي حساس، ويمثل واحدة من المنشآت الخاضعة لتفتيش دوري من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتشير المعلومات الأولية إلى أن الموقع تضرر جراء القصف، من دون أن تتسرب إشعاعات أو تقع إصابات بشرية، لكنّ تداعيات الحادث على المدى المتوسط والطويل لم تتضح بعد.
ومن جهتها، لم تصدر طهران بعد بيانًا تفصيليًا رسميًا بشأن الأضرار التي لحقت بالمفاعل، لكنها توعدت بالرد في الوقت والمكان المناسبين، متهمة إسرائيل بمحاولة تقويض برنامجها النووي السلمي، وجر المنطقة نحو صراع نووي غير محسوب العواقب.
التحذيرات السعودية تنطلق من موقعها كدولة ملتزمة باتفاقيات الحد من انتشار الأسلحة النووية، وكعضو فاعل في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويعكس موقف هيئة الرقابة النووية والإشعاعية التزام المملكة بالمبادئ الراسخة في السياسة الخارجية السعودية، الداعية إلى حل النزاعات بالطرق السلمية والحفاظ على أمن واستقرار المنطقة.
الهجمات الأخيرة تفتح أيضًا الباب أمام تساؤلات عميقة بشأن مدى فاعلية النظام الدولي في حماية المنشآت النووية السلمية خلال النزاعات، ومدى حاجة العالم إلى تعزيز منظومة الحماية وتفعيل آليات الردع الجماعي ضد أي طرف يهدد البنية النووية المدنية لأي دولة.
وتبقى المسؤولية الأخلاقية والقانونية على عاتق المجتمع الدولي في ضمان عدم تحوّل الطاقة النووية إلى أداة ابتزاز سياسي أو ورقة ضغط عسكرية، خاصة في منطقة مشتعلة مثل الشرق الأوسط، كما أن استمرار الصمت أو التهاون تجاه هذا النوع من الاستهدافات قد يشجع أطرافًا أخرى على تقليد هذا السلوك، ما ينذر بفوضى نووية لا يمكن التنبؤ بنتائجها.
في الوقت الراهن، تكتسب الدعوات لوقف فوري للتصعيد أهمية مضاعفة، جنبًا إلى جنب مع تفعيل دور المنظمات الدولية المختصة، وعلى رأسها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لضمان حماية المنشآت النووية المدنية، ومحاسبة كل من يخرق القوانين الدولية في هذا المجال بالغ الحساسية.