في خطوة نوعية جديدة تعكس اهتمام المملكة بتطوير قطاع النقل البحري وتعزيز كفاءته، أعلنت الهيئة العامة للنقل اعتماد عدد من البرامج التخصصية التي تستهدف الارتقاء بالكوادر البشرية العاملة في هذا القطاع الحيوي، وتأتي هذه المبادرة في سياق الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية، التي تهدف إلى جعل المملكة مركزًا لوجستيًا عالميًا ومحورًا رائدًا في مجال الخدمات البحرية والتجارية، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030.
البرامج المعتمدة تركز على تنمية القدرات الفنية والتشغيلية والإدارية للعاملين في القطاع البحري، مع توفير مسارات تدريبية متخصصة في مجالات الملاحة، وإدارة الموانئ، والسلامة البحرية، وصيانة السفن، والخدمات اللوجستية البحرية، وتُنفذ هذه البرامج بالتعاون مع جهات تعليمية ومهنية محلية ودولية مرموقة، بما يضمن جودة المحتوى التدريبي واعتماد الشهادات الممنوحة، ومواءمتها مع المعايير العالمية في قطاع النقل البحري.
وأوضحت الهيئة أن هذه الخطوة تأتي استجابة للحاجة المتزايدة لتأهيل كوادر بحرية وطنية تمتلك المهارات التقنية والمعرفة التخصصية التي تمكنها من قيادة المرحلة القادمة من التوسع في أنشطة النقل البحري، خاصة مع تنامي الحركة التجارية عبر الموانئ السعودية، وازدياد عدد السفن المسجلة في المملكة، والتوجه نحو التحول الرقمي في إدارة العمليات البحرية.
ومن أبرز ما يميز هذه البرامج أنها ليست موجهة فقط للكوادر العاملة حاليًا في القطاع، بل تفتح أيضًا الباب أمام الشباب الراغبين في دخول هذا المجال، عبر تقديم فرص تدريب عملي ونظري متكامل، يشمل التعليم داخل الفصول الدراسية، والتدريب في المحاكيات البحرية، والتطبيقات الميدانية على متن السفن أو في منشآت الموانئ، كما تشمل هذه البرامج مسارات متقدمة لتطوير القيادات في القطاع البحري من خلال ورش عمل متخصصة وبرامج دبلوم احترافي.
وتسعى الهيئة من خلال هذه البرامج إلى رفع نسب التوطين في الوظائف البحرية، وتمكين الكوادر السعودية من تبوّؤ مواقع متقدمة في هذا المجال، سواء في التشغيل أو الإدارة أو الدعم الفني، كما تعمل على دعم الابتكار من خلال ربط البرامج التدريبية بأحدث التقنيات المستخدمة عالميًا في النقل البحري، كأنظمة الملاحة الذكية، وأدوات مراقبة الأداء، والتطبيقات الرقمية التي تساعد في اتخاذ القرار في البيئات البحرية المعقدة.
وأكدت الهيئة في بيانها أن هذه البرامج تخضع لمراجعة دورية وتحديث مستمر، وفق متطلبات السوق والتغيرات التقنية والتشريعية، لضمان استمرارية كفاءتها وملاءمتها لاحتياجات القطاع محليًا ودوليًا، كما يتم تقييم أداء المشاركين وقياس الأثر العملي للتدريب بعد انتهاء البرامج، ما يعزز من فعالية المخرجات ويُسهم في بناء قاعدة مهنية بحرية مستدامة.
وقد لاقت هذه الخطوة ترحيبًا من قبل المهنيين والمختصين في قطاع النقل البحري، الذين اعتبروها نقلة مهمة تسهم في سد الفجوة بين الاحتياج الفعلي في الميدان والتأهيل المهني المتاح حاليًا، وأشار عدد من العاملين في القطاع إلى أن البرامج الجديدة ستفتح آفاقًا واسعة أمام المهتمين، وتسهم في خلق بيئة بحرية سعودية أكثر تنافسية، قادرة على مجاراة النمو العالمي في قطاع الخدمات اللوجستية.
وتؤكد هذه المبادرة الدور المحوري للهيئة العامة للنقل في دعم مسيرة التحول الوطني في مختلف قطاعات النقل، حيث تواصل الهيئة تقديم المبادرات النوعية، وإقامة الشراكات مع المؤسسات الأكاديمية والمهنية، لضمان إعداد كوادر وطنية متمكنة تواكب الطموحات الكبيرة للمملكة في مجال النقل البحري، بما يعزز من مكانتها كمركز بحري إقليمي ودولي متكامل.