في خطوة تمثل تحولاً نوعياً في جهود المملكة العربية السعودية لتطوير المشاعر المقدسة، أعلنت الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة عن الانتهاء من تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع الخيام ذات الطابقين في مشعر منى، وذلك في إطار سعيها المستمر إلى تحسين تجربة الحجاج والارتقاء بجودة الخدمات المقدمة لهم، يندرج هذا المشروع الحيوي ضمن خطة شاملة تستهدف رفع الطاقة الاستيعابية للمشاعر المقدسة، وتحقيق الاستخدام الأمثل للمساحات، بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030 وبرنامج خدمة ضيوف الرحمن.
وقد تم تنفيذ هذه المرحلة من المشروع عبر شركة كدانة للتنمية والتطوير، الذراع التنفيذي للهيئة الملكية، بالتعاون مع شركاء من القطاع الخاص، أبرزهم شركة إثراء الضيافة القابضة وشركة إثراء المشاعر للتطوير العقاري، وقد جرى العمل على إنشاء 46 مبنى خيام ذات طابقين على مساحة تتجاوز 20 ألف متر مربع خلال 100 يوم فقط، في إنجاز يُبرز كفاءة التنسيق والتنفيذ والتقنيات الحديثة المستخدمة، يضم المشروع أكثر من 550 دورة مياه ومرافق خدمية متكاملة، ويعكس التزام الجهات المعنية بتوفير بيئة متطورة وآمنة لضيوف الرحمن.
تأتي هذه الخطوة في ظل تزايد أعداد الحجاج سنوياً، ما يتطلب تطوير حلول هندسية وتنظيمية مبتكرة لمواكبة الطلب المتنامي على خدمات السكن في المشاعر، وخاصة في منى التي تشهد كثافة عالية خلال أيام التشريق، وتمثل الخيام ذات الطابقين إحدى هذه الحلول، إذ تسهم في مضاعفة القدرة الاستيعابية للموقع نفسه دون الحاجة إلى التوسع الأفقي، وهو ما يتماشى مع خطط الاستدامة والمسؤولية البيئية.
وخلال موسم حج 1446هـ، سيُخصص هذا النموذج السكني الحديث لتسكين نحو 8,000 حاج من مختلف باقات الحج المحلية والدولية، ما يتيح تقييم التجربة على أرض الواقع واختبار مدى فاعليتها وملاءمتها لمتطلبات الحجاج وراحتهم، وتُعد هذه التجربة التشغيلية الأولى تمهيداً لتوسيع نطاق المشروع في المواسم القادمة، وصولاً إلى استيعاب ما يصل إلى 20,000 حاج في المرحلة النهائية المخطط لها.
وتتضمن هذه الخيام المطورة مرافق خدمية متكاملة، منها صالات للنوم والطعام، عيادات طبية، مطابخ مركزية، غرف حلاقة، حدائق داخلية، بالإضافة إلى نظام تهوية متطور وتصميم يراعي مقاومة الحرارة والتغيرات المناخية، كما تلتزم الخيام الجديدة بأعلى معايير السلامة، من حيث مواد البناء المقاومة للحريق، ونظام الإخلاء السريع، ومخارج الطوارئ المدروسة بعناية.
ويمثل هذا المشروع انعكاساً لرؤية المملكة الطموحة في تقديم نموذج عالمي لخدمة الحجاج، يدمج بين الأصالة في خدمة ضيوف الرحمن والتطور العمراني والتقني، فهو لا يقتصر على زيادة الطاقة الاستيعابية فقط، بل يعزز من جودة الحياة في المشاعر ويمنح الحاج تجربة سكنية أكثر راحة وتنظيماً، مما يسهم في تأدية المناسك بسلاسة وطمأنينة.
كما يأتي مشروع الخيام ذات الطابقين في سياق استراتيجية متكاملة تهدف إلى توظيف الخبرات الوطنية في قطاعات الهندسة والتشغيل والخدمات، بما يعزز من الاعتماد على الكفاءات المحلية، ويوفر فرصاً استثمارية واعدة للقطاع الخاص في إطار الاقتصاد الديني، أحد مسارات رؤية 2030 للنمو المستدام، ويُعد نجاح تنفيذ المرحلة الأولى مؤشراً على الجاهزية العالية للدولة في إدارة مشاريع كبرى ضمن فترات زمنية ضيقة وظروف تشغيلية معقدة.
ويؤكد المشروع في مضمونه وجوهره أن المملكة ماضية في إحداث نقلة نوعية في إدارة موسم الحج، من خلال مشروعات تخطيط عمراني ذكية تسهم في تعزيز كفاءة التشغيل، وضمان كرامة وراحة الحاج كأولوية قصوى، ومن المتوقع أن يفتح هذا الإنجاز الباب أمام مزيد من الحلول الابتكارية في المواسم المقبلة، ليكون مشعر منى نموذجاً رائداً في استيعاب الحشود البشرية بأعلى درجات الكفاءة والرفاهية.