كشفت المختصة النفسية خولة العوفي عن نسبة مقلقة من اضطرابات النوم في المجتمع، مؤكدة أن نحو 30% من السكان يعانون من الأرق، وأن النسبة الأكبر من هذه الحالات تتركز بين فئة الشباب والطلاب، مما يثير تساؤلات جدية حول تأثير نمط الحياة الحديث على الصحة النفسية والذهنية.
وجاء حديث العوفي في مداخلة مع قناة "الإخبارية"، حيث استعرضت خلالها أبرز الإحصاءات والدراسات المحلية التي تناولت اضطرابات النوم، مشيرة إلى أن الظاهرة باتت منتشرة بدرجة أكبر مما يتصوره البعض، ما يتطلب وعيًا جماعيًا بمخاطرها وتأثيراتها طويلة المدى.
وأوضحت أن اضطرابات النوم لا تقتصر على الأرق فقط، بل تشمل مشكلات عدة كصعوبة الاستغراق في النوم، أو الاستيقاظ المتكرر أثناء الليل، أو الاستيقاظ المبكر دون القدرة على العودة للنوم مجددًا، وكلها عوامل تؤثر سلبًا على جودة الحياة.
وأشارت العوفي إلى أن الطلاب تحديدًا يمثلون شريحة حساسة في هذا السياق، فهم يتعرضون لضغوط أكاديمية متواصلة، ويمضون ساعات طويلة أمام الشاشات، مما يؤدي إلى خلل في إيقاعهم الحيوي، وبالتالي تراجع قدرتهم على التركيز والتحصيل الدراسي.
وأضافت أن هناك أبحاثًا تثبت أن النوم العميق والمبكر لا يساعد فقط على استعادة الطاقة الجسدية، بل يلعب دورًا مهمًا في تنظيم الأفكار، ومعالجة المشاعر، وتعزيز مستوى التركيز والانتباه في اليوم التالي.
وتابعت قائلة إن الأرق لا ينبغي أن يُنظر إليه كعرض عابر أو نتيجة مؤقتة للإجهاد، بل هو في كثير من الأحيان مؤشر على اضطراب أعمق، قد يرتبط بمشكلات نفسية كامنة مثل القلق أو الاكتئاب أو حتى التوتر المزمن.
وشددت على أن الاستهانة بعادات النوم قد تؤدي إلى تبعات خطيرة، منها انخفاض الإنتاجية، وزيادة معدل الحوادث، وتدهور الأداء الأكاديمي أو الوظيفي، بل وحتى اضطرابات في المزاج والعلاقات الاجتماعية.
وذكرت العوفي أن من أبرز أسباب الأرق في أوساط الشباب، الاعتماد المفرط على الأجهزة الذكية قبل النوم، حيث إن الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات يؤثر مباشرة على إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن تنظيم النوم.
وبيّنت أن بعض الممارسات اليومية الخاطئة، مثل تناول المنبهات في ساعات متأخرة، أو عدم تحديد وقت ثابت للنوم والاستيقاظ، تؤدي تدريجيًا إلى تشويش الساعة البيولوجية للجسم، ما يجعل النوم المنتظم أكثر صعوبة.
وأضافت أن جودة النوم لا تتعلق بعدد الساعات فقط، بل أيضًا بعمق النوم واستمراريته، ولهذا فإن بعض الأشخاص الذين ينامون لساعات طويلة يشعرون بالتعب عند الاستيقاظ، لأن نومهم كان مضطربًا أو متقطعًا.
ودعت العوفي الأسر والجهات التعليمية إلى التعاون في نشر ثقافة النوم الصحي، من خلال رفع الوعي لدى الطلاب بأهمية الراحة الذهنية، وتشجيعهم على تقنيات الاسترخاء، والابتعاد عن الضغوط الزائدة قبيل موعد النوم.
كما طالبت بأن يكون هناك دور أكبر للإعلام في تسليط الضوء على خطورة اضطرابات النوم، وتقديم محتوى توعوي مبسط يساعد الناس على إدراك أهمية هذه المسألة واتباع خطوات عملية لتحسين جودة نومهم.
وأكدت في ختام حديثها أن الوقاية من الأرق تبدأ من تبني نمط حياة صحي، يتضمن تنظيم الوقت، وممارسة الرياضة بانتظام، وتجنب التشتت الذهني ليلاً، مع إمكانية اللجوء للمختصين النفسيين عند استمرار المشكلة.
وترى العوفي أن مواجهة اضطرابات النوم لدى الشباب تمثل أحد التحديات النفسية والاجتماعية في هذا العصر، وهو ما يتطلب جهدًا جماعيًا يشمل الفرد والأسرة والمؤسسة التعليمية والمجتمع بأسره.