استقرت أسعار النفط العالمية في تعاملات اليوم، بعد أن شهدت مكاسب قوية في نهاية الجلسة السابقة تجاوزت 4%، وسط حالة من الترقب الحذر في الأسواق بشأن تطورات العرض والطلب والتوجهات الاقتصادية العالمية.
وجاء هذا الاستقرار بعد سلسلة من التقلبات التي سيطرت على أسواق الطاقة خلال الفترة الأخيرة، حيث تفاعلت الأسواق بشكل حاد مع مؤشرات متباينة تتعلق بالمخزونات الأمريكية، وتوقعات النمو الاقتصادي، والعوامل الجيوسياسية المؤثرة في الإنتاج العالمي.
وسجلت العقود الآجلة لخام برنت، وهو المؤشر القياسي العالمي، ارتفاعًا طفيفًا قدره 16 سنتًا أو ما يعادل 0.2%، ليبلغ سعر البرميل 76.61 دولارًا، في حين صعد خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي بنحو 17 سنتًا بنسبة 0.2% ليصل إلى 75.01 دولارًا للبرميل.
وتعكس هذه المكاسب المحدودة نوعًا من التوازن النسبي في السوق، بعد موجة صعود سريعة جاءت مدفوعة بعوامل فنية وتجدد الآمال بشأن تحسن الطلب على النفط خلال الأشهر المقبلة، خاصة في ظل الحديث عن تحفيز اقتصادي محتمل في الصين.
ويأتي الاستقرار أيضًا بعد فترة ضغط هبوطي امتدت لأسابيع، تسببت فيها مخاوف التباطؤ الاقتصادي العالمي، وعودة الحديث عن إمكانية تخمة في المعروض، لا سيما مع استمرار إنتاج بعض الدول عند مستويات مرتفعة رغم تباطؤ الطلب.
وتراقب الأسواق عن كثب بيانات المخزون الأمريكي الأسبوعية، وسط توقعات بانخفاض المخزونات الخام، ما قد يساهم في دعم الأسعار إذا ما جاءت الأرقام دون التقديرات، وهو ما يحدث عادة عندما ينخفض الإنتاج المحلي أو ترتفع وتيرة التصدير.
وكان ارتفاع الأسعار في الجلسة السابقة مدفوعًا بشكل رئيسي بتقارير عن تراجع الصادرات من بعض الدول المنتجة الكبرى، إلى جانب إشارات على تخفيف السياسات النقدية في بعض الاقتصادات الكبرى، ما يعزز شهية المستثمرين للسلع.
ويرى محللون أن عودة النفط للارتفاع ثم استقراره عند هذا النطاق السعري يعكس استجابة السوق لما يسمى بـ"نطاق التوازن السعري"، والذي يراوح بين 70 إلى 80 دولارًا للبرميل، وهي المنطقة التي تعتبرها أوبك وشركاؤها مثالية لتحقيق الاستقرار.
وتشير التوقعات الحالية إلى أن الأسعار قد تبقى ضمن هذا النطاق على المدى القريب، في ظل غياب محفزات قوية للارتفاع أو الانخفاض الحاد، مع استمرار الحذر من تداعيات تباطؤ الاقتصاد العالمي وتغيرات السياسة النقدية الأمريكية.
ومن جهة أخرى، تتابع الأسواق أيضًا مدى التزام مجموعة "أوبك+" باتفاقات خفض الإنتاج، حيث يُعد مدى التزام الدول الأعضاء أحد العوامل الحاسمة في تحديد الاتجاه العام للسوق، خاصة في ظل تحديات المنافسة مع المنتجين خارج المنظمة.
وفي السياق ذاته، تُعقد الآمال على زيادة الطلب خلال موسم الصيف، إذ ترتفع عادة معدلات استهلاك الوقود بسبب السفر والأنشطة الاقتصادية، ما قد يساهم في امتصاص جزء من الفائض ويدفع بالأسعار إلى الارتفاع تدريجيًا.
كما أن استمرار التوترات الجيوسياسية في بعض مناطق الإنتاج حول العالم يضيف بعدًا آخر من عدم اليقين، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من التقلبات السعرية خلال الأسابيع المقبلة، بحسب محللين في قطاع الطاقة.
ويؤكد مراقبون أن حالة السوق الحالية تتطلب تحلي المستثمرين بقدر عالٍ من المرونة في التعامل مع تغيرات الأسعار، مع متابعة التطورات العالمية عن كثب، خاصة تلك المتعلقة بالاقتصاد الكلي والسياسات النقدية.
وتبقى التحديات متعددة، إلا أن الاستقرار النسبي في الأسعار قد يُفسَّر على أنه بداية مرحلة أكثر هدوءًا بعد تقلبات كبيرة، مع ترقب بيانات اقتصادية وتقارير مالية جديدة قد تغيّر بوصلة السوق بشكل مفاجئ.