في تقرير جديد صادر عن البنك الدولي، تبدو آفاق النمو الاقتصادي في دول الخليج العربي مشرقة أكثر من أي وقت مضى، إذ يتوقع أن تتسارع معدلات النمو بشكل ملحوظ لتصل إلى 4،5% بحلول عام 2026، بعد أن سجلت المنطقة نمواً بلغ 1،7% في عام 2024.
هذا التحول الإيجابي يعود إلى تراجع سياسة خفض إنتاج النفط التي انتهجتها مجموعة "أوبك+"، إضافة إلى التوسع المستمر في القطاعات غير النفطية التي أظهرت مرونة ملحوظة في وجه التحديات العالمية.
وقد أشار التقرير إلى أن الإنفاق الحكومي الذكي والسياسات المالية الراسخة كانا عاملين حاسمين في تعزيز الاستقرار الاقتصادي لدول الخليج، كما أن الإصلاحات الهيكلية الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل لعبت دوراً محورياً في تعزيز الأداء الاقتصادي.
وخصوصاً في القطاعات غير النفطية، وأوصى البنك بضرورة تسريع وتيرة هذه الإصلاحات، إلى جانب تعزيز التجارة الإقليمية، في ظل حالة من عدم اليقين تحيط بالتجارة العالمية، والمرتبطة بتباطؤ اقتصادي عالمي محتمل وتوترات جيوسياسية وتجارية.
ورغم تحسن مؤشرات النمو، حذّر التقرير من المخاطر المرتبطة بالتقلبات في أسعار النفط، والتي تشكل عبئاً على الموازنات العامة في بعض دول المنطقة، متوقعاً أن تشهد هذه الدول عجزاً مالياً خلال 2025.
لكن البنك الدولي شدد في الوقت نفسه على أهمية فهم فاعلية السياسات المالية وقدرتها على امتصاص الصدمات الاقتصادية وتعزيز النمو، مؤكداً أن تأثير الاستثمار الحكومي في القطاعات غير النفطية – وإن كان هامشياً نسبياً – لا يزال إيجابياً.
كما حذّر التقرير من التحديات التي تفرضها التوترات التجارية مع الشركاء الدوليين، وعلى رأسهم الصين، إذ تشكل الصادرات إلى السوق الصينية نسبة كبيرة من إجمالي صادرات دول الخليج مثل عمان والسعودية والكويت وقطر.
وأي تراجع اقتصادي في الصين قد ينعكس بشكل مباشر على هذه الاقتصادات، ما يبرز الحاجة إلى تنويع الأسواق وتحقيق نوع من التوازن في العلاقات التجارية.
أما على مستوى الدول، فتقود السعودية والإمارات مسيرة النمو الخليجي، فالسعودية، التي انخفض نموها إلى 1،3% في 2023، يُتوقع أن تحقق نمواً يصل إلى 2،8% في 2025، ويبلغ متوسطه 4،6% بين 2026 و2027، مدفوعاً بإعادة تشغيل قدرات النفط وزيادة ملحوظة في الناتج المحلي غير النفطي، نتيجة لنجاح مشاريع رؤية 2030.
في حين يُتوقع أن يبلغ نمو اقتصاد الإمارات 4،6% في 2025 ويستقر عند 4،9% في 2026 و2027، مستندًا إلى قطاعات غير نفطية نشطة مدعومة باستثمارات حكومية وتحسينات في الحوكمة والتعاون الدولي.
وتميّز تقرير البنك الدولي هذا العام بتسليطه الضوء على الأداء الاقتصادي المميز لسلطنة عمان، التي من المتوقع أن يزداد نموها تدريجيًا ليصل إلى 4% في 2027، مدعومًا بقطاعي التشييد والصناعة، إلى جانب تحسن أداء قطاع النفط.
كما أشار إلى تحسن ملحوظ في اقتصاد الكويت بعد سنوات من الانكماش، حيث من المرجح أن ينمو بنسبة 2،2% في 2025، مستفيدًا من مشاريع بنية تحتية ونشاط ائتماني متنامٍ.
أما قطر، فرغم تباطؤ طفيف في 2025، فإنها مرشحة لتحقيق طفرة في النمو عامي 2026 و2027، بنسبة تصل إلى 6،5% في المتوسط، بفضل توسعة مشاريع الغاز الطبيعي المسال في حقل الشمال، وتُظهر بيانات البنك أن هذه الطفرة ستعزز مكانة قطر في الأسواق العالمية، لا سيما مع الزيادة المتوقعة في صادرات الغاز.
ولفت التقرير إلى أن البحرين ستشهد نموًا بنسبة 3،5% في 2025 بعد تحديث مصفاة بابكو، مع متوسط نمو مستقر نسبياً في السنوات التالية، خاصةً أن دول الخليج تمضي بخطى ثابتة نحو مستقبل اقتصادي أكثر تنوعاً واستدامة.
مؤكداً أن الاستثمارات الذكية، ودعم الابتكار وريادة الأعمال، والاعتماد على القطاعات غير النفطية، تشكل مفاتيح النمو في المرحلة المقبلة.