منذ انضمامه إلى نادي النصر السعودي في يناير 2023، شكّل كريستيانو رونالدو نقطة تحول ليس فقط في مسيرة النادي، بل في مشهد كرة القدم السعودية ككل، حضور النجم البرتغالي في دوري روشن أحدث ضجة عالمية، وصار بمثابة إعلان دولي عن طموحات غير مسبوقة في الملاعب السعودية.
رغم بعض التحديات التي واجهها في موسمه الأول، ظل رونالدو ملتزمًا بمشروعه مع النصر، رافضًا العروض الأوروبية والآسيوية التي انهالت عليه، في رسالة واضحة أن رحلته في السعودية لم تنتهِ بعد، هذه الاستمرارية لم تكن مجرد قرار فردي، بل جاءت نتيجة عوامل مؤسسية ودعم ممنهج من رابطة الدوري السعودي.
كان واضحًا منذ البداية أن استقطاب رونالدو لم يكن مجرد صفقة تسويقية عابرة، بل جزء من خطة طويلة الأمد تهدف إلى تطوير مستوى الدوري وتحويله إلى وجهة عالمية، في هذا السياق، لعبت إدارة الدوري دورًا محوريًا في توفير بيئة احترافية تليق بنجم بحجم كريستيانو.
ومن بين العوامل التي ساعدت على بقاء رونالدو، الدعم اللوجستي والتقني الذي حظي به داخل الملاعب وخارجها، التحسينات المستمرة في البنية التحتية، وجود طواقم طبية على أعلى مستوى، وتطوير منظومة الإعلام الرياضي، كلها عناصر جعلت النجم البرتغالي يشعر بأنه في بيئة تنافسية جادة.
أيضًا، لم تغفل رابطة الدوري عن الجانب التسويقي الذي يهم نجمًا عالميًا، إذ تم تصميم حملات دعائية كبرى تمحورت حول حضور رونالدو، مما منحه حضورًا دائمًا على الساحة الإعلامية، هذه الحملات لم تخدم النصر وحده، بل رفعت من قيمة الدوري بأكمله في الأسواق العالمية.
من الناحية الفنية، ساعد تطوير مستوى التنافس داخل الدوري، وازدياد عدد اللاعبين الدوليين القادمين من أوروبا وأمريكا اللاتينية، على جعل التجربة أكثر إقناعًا لرونالدو، فبدلاً من شعوره بالانعزال عن مستوى النخبة، بات يجد نفسه في بيئة غنية بالمواجهات القوية والتحديات المتجددة.
وفي تصريحات سابقة، أعرب رونالدو عن إعجابه بالتطور السريع للدوري، مشيرًا إلى أنه كان يتوقع نموًا تدريجيًا، لكن الواقع فاق التوقعات، وهذا الإعجاب لم يكن عابرًا، بل أكد في أكثر من مناسبة رغبته في أن يكون جزءًا من المشروع السعودي على المدى الطويل.
إلى جانب الدعم المؤسسي، كان للجمهور السعودي دور مهم في تعزيز رغبة رونالدو في البقاء، والحضور الجماهيري المتزايد، والاهتمام اللافت بكل تفاصيل مشاركاته، أضفى على تجربته في السعودية بعدًا عاطفيًا، لم يجده في محطات أخرى.
حتى على مستوى العلاقات داخل الفريق، بدت الأمور أكثر انسجامًا مع مرور الوقت، حيث نسج رونالدو علاقات قوية مع زملائه ومدربيه، وساهم بشكل فعّال في بناء روح جماعية ظهرت في أداء الفريق خلال المواسم الأخيرة.
اقتصاديًا، لا يمكن تجاهل أن الدوري السعودي وفّر لرونالدو عقودًا ذات قيمة غير مسبوقة، لكن البقاء لم يكن دافعًا ماديًا بحتًا، بل مزيجًا من تقدير المكانة، ورغبة شخصية في ترك بصمة تاريخية في مشروع رياضي صاعد.
ولا شك أن استمراره كان بمثابة رسالة طمأنة لنجوم آخرين يفكرون في القدوم إلى المملكة، حيث أثبت أن التجربة السعودية ليست محطة مؤقتة، بل مشروع مستقر وواعد، وقد بدا هذا واضحًا في تزايد عدد التوقيعات العالمية على مدار الموسمين الأخيرين.
اللافت أيضًا هو أن الدوري السعودي تعامل مع ملف رونالدو بنضج إداري، بعيدًا عن الهالة النجمية فقط، وهو ما جعله يشعر بالتقدير دون مبالغة، حتى قرارات الجدولة، والاهتمام بجودة الملاعب، تم تصميمها لتتناسب مع متطلبات نجوم من طراز رفيع.
ومع بقاء رونالدو، بات من الواضح أن مشروع النصر يتجه نحو بناء فريق لا ينافس فقط محليًا، بل يسعى جديًا لفرض حضوره القاري والعالمي، وفي هذا السياق، يشكّل رونالدو القائد الذي يمزج بين الخبرة، والشغف، والقدرة على جذب أنظار العالم.
اليوم، لم يعد مجرد خبر استمراره مع النصر مثيرًا للدهشة، بل أصبح تحصيل حاصل في ضوء التطورات التي يشهدها الدوري، ومن المرجّح أن نشهد في المرحلة المقبلة خطوات جديدة تعزز من هذا المسار، مع بقاء رونالدو في قلب الحدث.