حج 1446
استعدادًا للحج 1446: رفع كسوة الكعبة بارتفاع 3 أمتار لحمايتها من الزحام
كتب بواسطة: سعيد الصالح | الاربعاء، 14 مايو 2025 , 15:10 مساءً

في إطار الاستعدادات المكثفة التي تقوم بها المملكة العربية السعودية لاستقبال ضيوف الرحمن لموسم حج عام 1446هـ، أنجزت الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي أحد أبرز الطقوس التنظيمية المتبعة سنويًا، والمتمثل في رفع الجزء السفلي من كسوة الكعبة المشرفة، وقد تم تنفيذ هذا الإجراء، الذي يُعد من أبرز المظاهر التنظيمية الموسمية، يوم أمس، ضمن جهود متكاملة تُعنى بالحفاظ على قدسية بيت الله الحرام، وضمان سلامة الحجاج والزائرين في أكثر المواقع قداسة في العالم الإسلامي.

وقد جرت العملية باحترافية عالية، وبمشاركة فرق عمل متخصصة، حيث تم رفع الكسوة بارتفاع قدره ثلاثة أمتار من جميع جوانب الكعبة المشرفة، وتُعد هذه الخطوة إجراءً احترازيًا بالغ الأهمية، يهدف إلى الحفاظ على سلامة الكسوة ومنع تعرضها للتلف أو التمزق، خصوصًا في ظل الكثافة البشرية العالية التي يشهدها المطاف خلال موسم الحج، حيث يتوافد ملايين المسلمين من شتى بقاع الأرض لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام.

ويأتي هذا الإجراء في وقت يتزامن مع ارتفاع وتيرة التحضيرات الميدانية والفنية التي تباشرها الجهات المختصة داخل المسجد الحرام وخارجه، لضمان تنظيم دقيق وآمن لحركة الحجيج، بما يضمن أداء المناسك بكل يسر وسكينة، وتُنفذ عملية رفع الكسوة وفق منهجية دقيقة ومراحل متعددة، تبدأ بفك الأجزاء السفلية منها، ثم فصل الأركان الأربعة بعناية، يليها رفع الستار الأسود إلى الارتفاع المحدد وتثبيته بإحكام في مكانه المخصص، مع الحرص على إعادة القناديل المزينة بالأسماء الحسنى إلى مواقعها بعد انتهاء عملية التثبيت.

وفي السياق ذاته، يتم تغطية الجزء المرفوع من الكعبة المشرفة بقماش قطني أبيض اللون يبلغ عرضه مترين، ويغطي كامل الجوانب الأربعة، في مشهد يتكرر سنويًا ويمثل تقليدًا إداريًا وتنظيميًا يعكس مستوى العناية الفائقة التي تُحيط بها المملكة الحرمين الشريفين، ويُعد استخدام القماش الأبيض رمزًا للنقاء والطهارة، ويضفي على المكان مزيدًا من السكينة الروحية التي تكتنف قلوب الحجاج والمعتمرين.

ويُذكر أن هذه العملية تتم كل عام قبيل دخول موسم الحج، وهي تُعد تقليدًا تنظيميًا متبعًا منذ عقود، نابعًا من الخبرات المتراكمة في إدارة الحشود داخل المسجد الحرام، ويمثل نموذجًا فريدًا في التوفيق بين قدسية المكان ومتطلبات الإدارة الحديثة، التي تعتمد على المعايير الدولية في الأمن والسلامة والتنظيم.

وتُشرف فرق العمل المختصة من الكوادر السعودية المؤهلة على تنفيذ العملية وفق جدول زمني دقيق، وباستخدام أدوات وتقنيات تضمن الحفاظ على سلامة الكسوة، التي تُعد واحدة من أقدس وأغلى المنسوجات في العالم الإسلامي، كما تلتزم الفرق المنفذة بأعلى درجات الحيطة والاحترام للقدسية التي تنطوي عليها هذه المهام، مع مراعاة حساسية الوقت الذي تسبق فيه عمليات التهيئة لاستقبال موسم الحج الأكبر.

وتتجلى في هذه الخطوة التنظيمية البسيطة في ظاهرها، معانٍ عميقة تتعلق بالإعداد المبكر، والانضباط الإداري، والحرص على تقديم أرقى مستويات الخدمة لضيوف الرحمن، إذ تأتي في سياق سلسلة من الاستعدادات والتجهيزات المتواصلة التي تنفذها مختلف الجهات الحكومية المعنية بالحج، والتي تشمل تنظيم الدخول والخروج، وتوفير خدمات الإرشاد، والرقابة الصحية، وتعزيز بيئة الطواف والسعي، إضافة إلى الجهود المتعلقة بإدارة الحشود، والتنظيم التقني واللوجستي داخل المسجد الحرام.

وتعكس عملية رفع الكسوة صورة من صور العناية الفائقة التي تُحيط بها المملكة بيت الله الحرام، في إطار رؤيتها الشاملة التي تهدف إلى تعزيز جودة الخدمات المقدمة للحجاج والمعتمرين، وتوفير أقصى درجات الراحة والسلامة والأمان لهم أثناء تأدية شعائرهم، كما تبرز هذه الإجراءات مستوى الانسجام والتكامل بين مختلف الجهات العاملة في خدمة الحرمين الشريفين، تحت إشراف القيادة الرشيدة التي لا تدخر جهدًا في تسخير كل الإمكانات والموارد من أجل خدمة الإسلام والمسلمين.

ويُشار إلى أن الكسوة المشرفة تُنسج سنويًا في مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة، وفق معايير دقيقة وجودة عالية، وتُستخدم فيها أفخر أنواع الحرير الطبيعي، وتُطرّز يدويًا بخيوط الذهب والفضة في عملية تستغرق شهورًا من العمل المتواصل، مما يجعل المحافظة عليها أولوية قصوى أثناء مواسم الذروة.

وتمثل عملية رفع الكسوة من جهة، والتغطية بالقماش الأبيض من جهة أخرى، عنصرين متكاملين في إدارة واحدة من أدق وأقدس العمليات التنظيمية في العالم الإسلامي، والتي تُنفذ في قلب المسجد الحرام، في مشهد يتكرر سنويًا ليحمل في تفاصيله احترامًا بالغًا للمكان، وتقديرًا عميقًا لموسم تتسابق فيه الأرواح إلى الطاعة والسكينة.