في إطار الجهود السعودية الرامية إلى دعم مسارات الابتكار وتحقيق التكامل بين مؤسسات البحث العلمي والمشروعات التنموية، شهدت مدينة جدة توقيع اتفاقية تعاون استراتيجية بين جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية "كاوست" و"مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة"، بهدف تعزيز الشراكة في مجالات الطاقة والمياه والتقنية الحيوية، وتطوير الحلول المستدامة التي تخدم رؤية المملكة 2030.
الاتفاقية التي وُقعت بحضور مسؤولين من الجانبين، تمثل خطوة متقدمة نحو بناء منظومة تكاملية بين مؤسسات التعليم والبحث العلمي من جهة، والهيئات المتخصصة في مجالات الطاقة من جهة أخرى، بما يسهم في تسريع وتيرة الابتكار وتطبيق مخرجات الأبحاث في السوق المحلي، خصوصًا في القطاعات ذات الأولوية الوطنية مثل الطاقة المتجددة، والأمن المائي، والتقنيات الحيوية.
وتُعد "كاوست" واحدة من أبرز الجامعات البحثية في المنطقة، حيث تمتلك إمكانيات علمية وتقنية متقدمة، وخبرات بحثية عالمية في مجالات متعددة، أبرزها تحلية المياه، الذكاء الاصطناعي، التقنيات الحيوية، والطاقة المستدامة، ومن خلال هذه الاتفاقية، تسعى الجامعة إلى توسيع دائرة التعاون خارج الحرم الجامعي، وربط أبحاثها باحتياجات التنمية الوطنية، وتحقيق أثر ملموس من خلال مشروعات تطبيقية مشتركة مع الجهات المختصة.
من جانبها، تُعد "مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة" الجهة الحكومية المسؤولة عن تنمية واستغلال مصادر الطاقة المستدامة في المملكة، وتلعب دورًا محوريًا في دعم السياسات الوطنية للطاقة، من خلال تمكين التقنيات الحديثة وتبني الابتكارات التي تسهم في تحقيق مزيج الطاقة الأمثل، وتأتي هذه الاتفاقية كترجمة فعلية لرغبة المدينة في تعزيز شراكاتها العلمية، والاستفادة من الخبرات البحثية لمؤسسات أكاديمية رائدة.
الاتفاقية تتضمن بنودًا متعددة للتعاون في مشروعات بحثية مشتركة، وتبادل البيانات والخبرات، وتنظيم ورش عمل وبرامج تدريبية، فضلًا عن تطوير نماذج أولية لتقنيات قابلة للتطبيق التجاري في قطاعي الطاقة والمياه، كما تتيح الاتفاقية للباحثين من الجانبين العمل ضمن فرق مشتركة، بما يعزز من تبادل المعرفة ويوحّد الجهود في الوصول إلى حلول تقنية مبتكرة.
ووفقًا للمسؤولين، فإن أحد أبرز مجالات التعاون المتوقع هو تقنيات تحلية المياه منخفضة الطاقة، وهي إحدى التحديات الاستراتيجية التي تواجه المملكة، في ظل الاعتماد الكبير على مصادر المياه غير التقليدية، كذلك ستشمل المشروعات التعاون في تطوير خلايا الوقود، وتخزين الطاقة، وتحسين كفاءة إنتاج الكهرباء من المصادر المتجددة، بما يتماشى مع أهداف الاستدامة وخفض الانبعاثات الكربونية.
كما تهدف الاتفاقية إلى دعم تطوير الكوادر الوطنية في مجالات العلوم والهندسة، من خلال فرص تدريب ميداني لطلبة كاوست داخل مشاريع المدينة، وتقديم برامج تدريبية متخصصة لمنسوبي المدينة بالتعاون مع مراكز الأبحاث بالجامعة، وتؤكد هذه الخطوة على التزام الطرفين بتعزيز رأس المال البشري، كركيزة أساسية لتحقيق تنمية علمية مستدامة في المملكة.
ويأتي توقيع الاتفاقية في وقت تشهد فيه المملكة تحولًا كبيرًا في استراتيجياتها الاقتصادية والعلمية، حيث تسعى إلى تنويع مصادر دخلها، وبناء اقتصاد معرفي قائم على الابتكار والتقنية، وتعد مثل هذه الشراكات ركيزة أساسية في تحقيق هذا التحول، من خلال تجسير الفجوة بين الأبحاث النظرية والتطبيقات العملية، وتحقيق التكامل بين الجامعات ومراكز القرار والتنفيذ.