«لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ».. ذلك النداء الذي يعانق أجواء البيت الحرام، ويردد صداه بين صخور مكة ومشاعرها المقدسة، يهيئ النفوس لاستقبال موسم حج مفعم بالتحديات والآمال، وسط منظومة أمنية وخدمية ضخمة تتضافر جهودها لتحقيق أسمى غايات هذا الركن العظيم.
المملكة، بقيادتها الحكيمة وشعبها المخلص، لا تألو جهداً في أن تجعل من موسم الحج نموذجاً عالميًا في التنظيم والخدمة، متمسكة بأمانة حمل هذه المسؤولية التي تتجاوز حدودها الوطنية لتصل إلى قلوب مليارات المسلمين حول العالم.
المؤتمر الصحفي الحكومي الذي عقد اليوم في الرياض كان بمثابة نافذة تؤكد لكل العالم مدى الجاهزية والكفاءة التي يتسلح بها موسم الحج لهذا العام، وكيف تحولت كل التحديات إلى فرص للنجاح والتفوق.
حيث أعلن وزير الحج والعمرة الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة عن معادلة «تصفير الأخطاء» التي أصبحت نهجًا ثابتًا لا يسمح بأي تهاون أو تقصير في تقديم الخدمات للحجاج، ويجعل من التميز مطلبًا مستمرًا لا مجال للتنازل عنه.
لم تكن الخطط مجرد أوراق تُعِدّ سلفاً، بل هي تجارب محاكاة دقيقة ومستمرة على مدار العام، يتبعها نظام متابعة صارم وتقييم دقيق يطال جميع الجهات المسؤولة، من موظفين ومتطوعين وشركات، حتى تظل اليد العليا حاضرة في مراقبة الأداء وتقديم الدعم أو العقاب الفوري عند اللزوم.
في المقابل، لا يغفل النظام عن تكريم المتميزين الذين يرفعون من جودة العمل، لتصبح كل خطوة في هذا الموسم بمثابة شهادة جودة وكفاءة.
وبالحديث عن إدارة الحشود، فإن التجربة السعودية تتفرد بسجل طويل من النجاحات المتتالية التي جعلتها مرجعاً عالمياً في تنظيم الحج.
فالخبرة المتراكمة عبر القرون، مدعومة بأحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي والتطبيقات الذكية مثل «نسك»، «صحة»، و«مبرور»، تتيح متابعة دقيقة للحاج من لحظة وصوله وحتى عودته إلى بلده، مع توفير بيئة آمنة وسلسة تؤمن كل احتياجاته.
لم يقتصر الاهتمام على التنظيم فقط، بل حرصت المملكة على توفير المطالب اليومية لحشود تصل إلى مئات الآلاف في وقت واحد، من خلال تجهيز فرق طبية متخصصة، وطائرات إخلاء مجهزة بأحدث التجهيزات، بالإضافة إلى مستشفيات ميدانية متطورة بمحيط المشاعر المقدسة، ليكون لكل حالة طبية طارئة رعاية فورية تليق بحجم المسؤولية.
شهادات الحجاج أنفسهم حول هذه الاستعدادات، تعكس بوضوح مدى الجاهزية والتفاني في تقديم الرعاية.
في مجال النقل، عملت شركة الخطوط الحديدية السعودية «سار» على رفع طاقتها التشغيلية لموسم الحج، حيث خصصت أكثر من 4700 رحلة مجدولة، متاحة لأكثر من مليوني مقعد، بزيادة تقدر بـ 400 ألف مقعد عن الموسم الماضي، ما يسهل تنقل الحجاج بين المشاعر المقدسة ويوفر لهم رحلة آمنة ومريحة.
وعلى صعيد الضوابط القانونية، وضعت المملكة منظومة صارمة لمواجهة ظاهرة الحج المخالف، عبر فرض غرامات مالية كبيرة تصل إلى 100,000 ريال لكل من يثبت إيواؤه أو مساعدته لحاملي تأشيرات الزيارة المختلفة، داخل أماكن السكن المختلفة بمكة والمشاعر المقدسة، خلال فترة محددة تبدأ من الأول من ذي القعدة وحتى الرابع عشر من ذي الحجة، مع مضاعفة العقوبات حسب عدد المخالفين.
هذا الموسم هو رسالة مستمرة، وعطاء متجدد من دولة تؤمن أن خدمة ضيوف الرحمن ليست مجرد واجب وطني، بل رسالة مقدسة تسهر على أدائها بكل فخر واعتزاز، وتعكس عمق الإيمان والوفاء لهذه الأرض الطاهرة التي خرجت منها رسالة هداية للبشرية جمعاء.
في ظل هذه الجهود الجبارة، يقف رجال الأمن والخدمة والحكومة صفاً واحداً، حاملين على عاتقهم ثقل التاريخ ومجد الأجداد، ليؤكدوا أن المملكة هي حقًا بلد الأمن والأمان والتميز في خدمة الحجيج والضيوف.