في ظل تصاعد الضغوط الاجتماعية والنفسية على العلاقات الزوجية الحديثة، حذّرت عبير السعد، المستشارة الأسرية والمدربة المعتمدة، من تدخل العاطفة غير المدروسة من قبل أطراف خارجية في الحياة الزوجية، خصوصًا إذا كان هذا التدخل من أقرب الناس، كأمهات الزوجات، اللاتي يتحركن بدافع الحب والحرص، لكن دون إدراك كامل لتأثير تلك العاطفة على مستقبل العلاقة الزوجية.
وأكدت السعد أن الزواج علاقة تتطلب التفاهم والخصوصية، وهي مساحة يجب أن تُبنى على الحوار المباشر والاحترام المتبادل بين الزوجين.
غير أن بعض العلاقات قد تتعرض لاضطرابات نتيجة تدخلات خارجية، أحيانًا تأتي من جهة لا يُتوقع منها سوى الخير، مثل أم الزوجة، التي قد ترى في نفسها المدافعة الأولى عن ابنتها، وتُسقِط مخاوفها وهواجسها على علاقة لم تكن شاهدة عليها بكامل تفاصيلها.
وأوضحت السعد أن هذا التدخل غالبًا ما يكون غير واعٍ، ويبدأ من موقف بسيط أو عبارة لم ترق للأم، فتبدأ في زراعة الشك في قلب ابنتها تجاه زوجها، بدافع حمايتها مما تظنه خطرًا أو ظلمًا.
المشكلة لا تكمن في نية الأم، بل في الطريقة التي تعبّر بها عن خوفها، والتي قد تتحوّل دون قصد إلى نوع من "التخبيب"، وهو ما يعني تحريض الزوجة على زوجها أو تشويه صورته أمامها.
وذهبت السعد إلى التأكيد أن هذا التخبيب قد لا يكون خبيث النية، بل غالبًا ما يكون نتيجة لعاطفة طاغية وغير متزنة. فالحنان الزائد من الأم، إن لم يُضبط بالحكمة والعقل، قد ينقلب إلى أداة هدم بدلًا من أن يكون دعمًا.
واستشهدت بحالة واقعية قالت إنها صادفتها خلال استشاراتها، حيث كانت الأم هي السبب الرئيسي في انفصال ابنتها عن زوجها، بعد أن أوهمتها بأن زوجها يكنّ لها العداء، وأنه لا يحبها كما يجب، مستندةً إلى خلاف بسيط وقع بينهما.
في تلك القصة، كما تروي السعد، لم تكن الأم تنوي الطلاق أو التفريق، لكنها كانت ضحية عاطفتها وحمايتها الزائدة، فصدّقت رواية ابنتها في لحظة غضب دون أن تتحقق من الصورة كاملة.
والنتيجة كانت طلاقًا مؤلمًا، وندمًا لاحقًا من الجميع، بعدما اتضح أن الخلاف لم يكن يستحق التضخيم، وأن المشكلة كانت قابلة للحل بالحوار لا بالتحريض.
وأكدت السعد أن الزوجة، في مثل هذه الحالات، تعيش حالة من التشتت العاطفي، بين حبها لزوجها، ومشاعرها المتأججة التي تغذيها أمها، فتجد نفسها في صراع نفسي يمزّقها داخليًا.
وهنا تصبح العلاقة الزوجية هشّة، مهددة بالانهيار في أي لحظة، لأن الثقة تتآكل، والشكوك تترسخ، والغيرة تصبح سلاحًا يفتك بالاستقرار الأسري.
ونبّهت السعد إلى أن الخطر الأكبر يكمن في بناء القرارات المصيرية على مشاعر آنية أو مواقف ناقصة، دون تمحيص أو حوار مباشر. فالعاطفة وحدها لا تكفي للحكم على علاقة معقّدة مثل الزواج، خصوصًا عندما تتحكم الأم في رواية الأحداث، وتصبح مستشارًا غير محايد يتدخل في كل تفصيل.
وفي ختام حديثها، دعت السعد الأمهات إلى توخي الحذر والحكمة في تعاملاتهن مع مشكلات بناتهن الزوجية. وقالت: "كوني سندًا لابنتك بحكمة وهدوء. لا تعتقدي أن زوجها هو العدو، فربما تكون هي في لحظة ضعف أو ألم، وتقول كلامًا مبالغًا فيه فقط لكسب تعاطفك.
لا تسمحي لعاطفتك أن تقودك لاتخاذ مواقف ضد صهرك دون التأكد. الأجدر بك أن تشجعيها على الحوار مع زوجها، وأن تزرعي في قلبها الثقة والوعي، بدلًا من الشك والتخويف".
وشددت على أن الحب الحقيقي للأبناء لا يكون في الانحياز غير المشروط، بل في الوقوف إلى جانبهم دون أن نغلق الأبواب أمام المصالحة والتفاهم. وأوضحت أن العائلة المتماسكة تُبنى بالحكمة والاتزان، لا بالصراخ والمواقف الانفعالية.
مشيرة إلى أن الدور الإيجابي للأم لا يقل عن دور الزوجة نفسها في الحفاظ على الأسرة.
هكذا، تبقى الرسالة واضحة: العاطفة وحدها لا تكفي، بل لا بد من توازن بين الحب والحكمة، حتى لا يتحول الحرص إلى سبب في الانفصال، ويصبح الدعم المأمول دافعًا للهدم بدل البناء.