في إطار جهودها الرامية إلى تأمين بيئة روحانية آمنة ومهيأة لضيوف الرحمن، أصدرت الهيئة العامة للعناية بشؤون الحرمين حزمة من الإرشادات التوعوية الوقائية، تهدف إلى تمكين حجاج بيت الله الحرام من أداء شعيرة الطواف بسلام ويسر، وبما ينسجم مع المقومات التنظيمية والخدماتية التي توفرها المملكة العربية السعودية خلال موسم الحج، وقد تم نشر هذه التوجيهات عبر الحساب الرسمي للهيئة على منصة "إكس"، في سياق حملات توعوية دورية تهدف إلى تعزيز الوعي الصحي والسلوكي لدى الحجاج.
وتتضمن هذه الإرشادات خمسة توجيهات رئيسية، تم إعدادها استنادًا إلى متطلبات الصحة العامة والوقاية من المخاطر المرتبطة بالازدحام والظروف المناخية القاسية التي قد يشهدها المسجد الحرام خلال موسم الطواف، لا سيما في ساعات الذروة وأيام الحج الكبرى، وتهدف هذه التوجيهات إلى تقليل فرص الإصابة بالإجهاد الحراري أو التعرض للمخاطر الصحية نتيجة الازدحام أو العدوى.
الإرشاد الأول الذي قدمته الهيئة يتمثل في ضرورة شرب كميات كافية من الماء خلال أداء شعيرة الطواف، وذلك للحفاظ على مستويات الترطيب في الجسم، وتفادي خطر الجفاف، خصوصًا في ظل الارتفاع المحتمل في درجات الحرارة داخل صحن الطواف أو في محيط المسجد الحرام خلال ساعات النهار، وتأتي هذه التوصية في سياق التحذيرات الصحية السنوية التي تطلقها وزارة الصحة أيضًا، لتجنب ما يُعرف بضربات الشمس والإجهاد الحراري، التي تعد من أبرز الحالات الطارئة التي تُسجَّل خلال موسم الحج.
أما التوجيه الثاني، فينصح الحجاج بأخذ فترات راحة مناسبة متى ما شعروا بالتعب أو الإرهاق أثناء الطواف، تجنبًا لحالات الإنهاك البدني التي قد تترتب عن الزحام المستمر، والمشي المتواصل ضمن مساحات كبيرة، وتؤكد الهيئة في هذا السياق أن الوعي الشخصي بالحالة الصحية لكل حاج يُعد عنصرًا حاسمًا في الحفاظ على سلامته، وأن التوقف المؤقت للراحة لا يتعارض مع الأداء الصحيح للمناسك، بل يعزّز القدرة على إتمامها بكفاءة وطمأنينة.
وفي الإرشاد الثالث، شددت الهيئة على أهمية تجنب الازدحام أثناء الطواف قدر الإمكان، مشيرة إلى أن اتخاذ مسارات بديلة أو الانتظار لحين تفرغ بعض الدوائر في صحن المطاف، يُعد من التدابير الواعية التي تحمي الحاج من التعرض للإصابات أو السقوط أو التدافع، وتُسهم كذلك في تحقيق السكينة الجماعية داخل المسجد الحرام، بما يعكس روح التآلف والتعاون بين المسلمين خلال أداء الشعائر.
وفي السياق ذاته، أوصت الهيئة باستخدام المظلات الشمسية عند الطواف وخلال التنقل في محيط الحرم المكي، كأحد التدابير الأساسية للحماية من أشعة الشمس المباشرة، التي قد تتسبب في ارتفاع درجة حرارة الجسم بشكل سريع، لا سيما لدى كبار السن أو من يعانون أمراضًا مزمنة، وقد تم تجهيز الحرم المكي ومناطقه الخارجية بمظلات كبيرة وأنظمة رش ضبابي لتقليل تأثير الحرارة، إلا أن استخدام المظلات الشخصية يظل عاملًا مساعدًا مباشرًا وفعّالًا في تعزيز الوقاية.
أما التوصية الخامسة والأخيرة، فتركّزت على أهمية ارتداء الكمامة في الأماكن المزدحمة، كإجراء احترازي للحد من انتشار الأمراض التنفسية والفيروسات، خصوصًا في ظل التجمعات الكبرى التي يشهدها المسجد الحرام خلال أيام الحج، وبهذا الخصوص، أشارت الهيئة إلى أن الالتزام بالإجراءات الوقائية لا يُعد مجرد سلوك شخصي، بل هو مسؤولية جماعية لحماية صحة المجتمع الحاجّ، وضمان استدامة الأجواء الإيمانية الآمنة في أقدس بقاع الأرض.
وتأتي هذه التوجيهات ضمن جهود تكاملية تقوم بها مختلف الجهات العاملة في خدمة ضيوف الرحمن، ومنها وزارات الصحة، والداخلية، والحج والعمرة، والهيئة الملكية لمكة المكرمة، حيث يتم العمل وفق منظومة متناسقة لتقديم تجربة حج نموذجية تراعي الجوانب الصحية، التنظيمية، الأمنية، والروحانية في آن واحد، وتُعد الهيئة العامة للعناية بشؤون الحرمين أحد أبرز المكونات المؤسسية في هذه المنظومة، لما تضطلع به من دور توجيهي وخدمي واسع النطاق داخل المسجد الحرام وساحاته.
وقد دأبت الهيئة خلال الأعوام الأخيرة على تطوير أدوات التواصل الجماهيري مع الحجاج، سواء عبر المنصات الرقمية أو اللوحات الذكية داخل الحرم، أو من خلال فرق التوعية الميدانية متعددة اللغات، والتي تعمل على مدار الساعة لتقديم الإرشاد الفوري، وتوزيع النشرات التوعوية، والإجابة على استفسارات الحجاج المتعلقة بمناسكهم وسلامتهم.
ويؤكد هذا النهج الذي تتبناه الهيئة أهمية تعزيز الوعي الذاتي لدى الحاج، باعتباره شريكًا أساسيًا في إنجاح المنظومة الخدمية والتنظيمية داخل المسجد الحرام، فكلما ارتفع مستوى التزام الحاج بالإرشادات الوقائية، تقلّ احتمالية وقوع إصابات أو تأخير في حركة الطواف أو تعطيل لمسارات الحشود، مما يُسهم في خلق بيئة آمنة ومريحة لجميع ضيوف الرحمن.
كما أن هذه الإرشادات تنسجم مع التوجه الأوسع لرؤية المملكة 2030، التي تولي تجربة الحج والعمرة أهمية قصوى، وتسعى إلى تطويرها عبر دمج البعد الصحي والتقني والتوعوي في جميع مراحل الخدمة، وتدل هذه الجهود على مدى الاهتمام الكبير الذي توليه القيادة الرشيدة لضمان أمن وسلامة وراحة الحجاج، بما يُمكّنهم من أداء مناسكهم في أجواء يسودها الاطمئنان، والسكينة، والخشوع.
وفي ختام التوصيات، دعت الهيئة الحجاج إلى التجاوب الإيجابي مع فرق التنظيم والإرشاد الميدانية، والحرص على احترام التعليمات الصادرة من الجهات المختصة داخل الحرم، مؤكدة أن التقيد بالإرشادات لا يحفظ صحة الفرد فحسب، بل يسهم في حماية الجميع، ويعكس السلوك الحضاري الراقي الذي يتناسب مع قدسية الزمان والمكان.
وبذلك، تُشكل هذه الإرشادات الخمسة مجمل الإطار الوقائي المتكامل الذي يستهدف تحقيق طواف آمن وميسر لحجاج بيت الله الحرام، وسط بيئة صحية وروحانية تُجسّد عظمة المشهد الإيماني، وتُبرز قدرة المملكة على إدارة هذا الحدث الديني الأكبر في العالم باحترافية ومهنية عالية.