شهدت الساحة الكروية الأوروبية مساء الأحد واحدة من أكثر المباريات إثارة وتشويقًا في تاريخ دوري الأمم الأوروبية، حيث نجح المنتخب البرتغالي الأول لكرة القدم في التتويج بلقب النسخة الحالية من البطولة القارية المرموقة، بعد فوزه على نظيره الإسباني بركلات الترجيح بنتيجة خمسة أهداف مقابل ثلاثة، في المباراة النهائية التي جمعت بينهما وانتهت بالتعادل الإيجابي بهدفين لكل فريق في الوقتين الأصلي والإضافي.
المواجهة بين العملاقين الأوروبيين لم تكن عادية، فقد حفلت بكل عناصر الإثارة والتقلبات الدراماتيكية التي تليق بنهائي بطولة قارية، وبدأ اللقاء بحذر نسبي من كلا الفريقين في الدقائق الأولى، مع سعي متبادل للسيطرة على وسط الملعب وفرض أسلوب اللعب، إلا أن المنتخب الإسباني سرعان ما بادر بهز شباك نظيره البرتغالي عند الدقيقة الحادية والعشرين، بعد هجمة منسقة انتهت بهدف سجله اللاعب مارتن زوبيميندي، الذي تمكن من استغلال سوء التمركز الدفاعي داخل منطقة الجزاء، ليضع الكرة في الشباك بطريقة متقنة مانحًا فريقه الأفضلية في بداية اللقاء.
غير أن الرد البرتغالي لم يتأخر طويلًا، حيث أظهر أبناء المدرب البرتغالي روحًا قتالية ورغبة واضحة في العودة إلى المباراة، وتمكن المدافع نونو مينديش من تسجيل هدف التعادل بعد خمس دقائق فقط من هدف التقدم الإسباني، وتحديدًا في الدقيقة السادسة والعشرين، عبر تسديدة قوية من داخل المنطقة بعد كرة مرتدة لم يتعامل معها الدفاع الإسباني بالشكل الأمثل، ليعيد المباراة إلى نقطة البداية ويشعل الحماس في أرجاء الملعب.
واستمر اللقاء بعدها بوتيرة متصاعدة، حيث تبادل الفريقان السيطرة وخلق الفرص في محاولة لتسجيل هدف التقدم الثاني قبل نهاية الشوط الأول، وقد نجح المنتخب الإسباني في التقدم مجددًا قبل صافرة نهاية الشوط الأول، عندما أحرز اللاعب ميكيل أويارزابال الهدف الثاني لفريقه في الدقيقة الخامسة والأربعين، بعد مجهود فردي مميز أنهاه بتسديدة أرضية استقرت في الزاوية البعيدة لحارس المرمى البرتغالي.
ومع انطلاق الشوط الثاني، بدأ المنتخب البرتغالي في فرض ضغط مكثف على المرمى الإسباني، من أجل إدراك التعادل مجددًا، واستطاع النجم البرتغالي التاريخي كريستيانو رونالدو أن يلبي طموحات الجماهير حين تمكن من تسجيل الهدف الثاني والتعادل لفريقه في الدقيقة الحادية والستين، برأسية رائعة من داخل منطقة الجزاء، عقب عرضية دقيقة من الظهير الأيمن، وقد بدا رونالدو في قمة جاهزيته الذهنية والبدنية، حيث قاد خط الهجوم بفاعلية كبيرة، وكان حاسمًا في اللحظات المهمة من اللقاء.
وبعد هدف التعادل الثاني، أصبح الإيقاع أكثر حماسًا، حيث حاول كلا الفريقين كسر التعادل وتحقيق الهدف المنشود من أجل التتويج المباشر دون اللجوء إلى الأشواط الإضافية، ولكن رغم تعدد المحاولات والفرص الخطيرة من الجانبين، فإن التوفيق لم يكن حاضرًا، ليستمر التعادل الإيجابي حتى نهاية الوقت الأصلي.
ومع انتهاء الشوطين الأساسيين بالتعادل، لجأ الفريقان إلى وقت إضافي مدته ثلاثون دقيقة مقسمة على شوطين، في محاولة جديدة لحسم النتيجة بعيدًا عن الركلات الترجيحية، ورغم بعض الفرص الخجولة، إلا أن الإرهاق البدني بدا واضحًا على اللاعبين، وانخفض الإيقاع تدريجيًا، لتظل النتيجة كما هي دون أي تغيير، ويصبح الاحتكام إلى ركلات الترجيح هو الخيار الحاسم لتحديد هوية بطل البطولة.
وفي ركلات الترجيح، أظهر لاعبو المنتخب البرتغالي رباطة جأش وثقة كبيرة، حيث نجحوا في تسجيل جميع الركلات الخمس بنجاح، بينما أضاع المنتخب الإسباني ركلة واحدة كانت كفيلة بترجيح كفة البرتغال، وقد تألق حارس مرمى البرتغال في التصدي للركلة الحاسمة، ليمنح بلاده اللقب القاري ويعيد إلى الأذهان مشهد تتويجهم بنسخة البطولة الأولى عام 2019.
وتُعد هذه البطولة تأكيدًا جديدًا على قدرة البرتغال على المنافسة في المحافل الكبرى، لما تملكه من لاعبين مميزين على المستويين الفني والذهني، وقد أثبت المدرب واللاعبون أن روح الانتصار لا تزال متقدة في نفوسهم، رغم التحديات والضغوط التي ترافق مثل هذه المواجهات النهائية. كما برهن المنتخب الإسباني بدوره على قدراته العالية وأسلوبه المميز، إلا أن الحظ لم يكن حليفًا له في ركلات الحسم.
الفرحة البرتغالية كانت عارمة سواء على أرضية الملعب أو بين الجماهير التي تابعت اللقاء بشغف من المدرجات أو من خلف الشاشات حول العالم، وقد عبّر اللاعبون عن سعادتهم البالغة بهذا التتويج، خاصة أنه جاء بعد مباراة قوية أمام خصم تقليدي بحجم المنتخب الإسباني، فيما تلقى كريستيانو رونالدو إشادة واسعة من وسائل الإعلام والجماهير، نظرًا لكونه قائدًا حقيقيًا داخل الميدان، ومصدر إلهام للفريق بأكمله.
وتفتح هذه البطولة آفاقًا جديدة للمنتخب البرتغالي قبل دخول المنافسات القارية والدولية القادمة، خصوصًا تصفيات كأس العالم واليورو، إذ ستمنح التتويج دفعة معنوية هائلة للجهاز الفني واللاعبين من أجل الاستمرار على نفس النسق والانضباط، والعمل على البناء على هذا الإنجاز.