الشؤون الإسلامية
كبائن توعوية جديدة بمشعر منى لتيسير مناسك الحج بعدة لغات
كتب بواسطة: سعد احمد |

ضمن إطار الجهود المتكاملة التي تبذلها المملكة العربية السعودية لخدمة ضيوف الرحمن خلال موسم الحج، وحرصًا منها على توفير بيئة توعوية آمنة وميسرة، وفّرت وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد إحدى أبرز مبادراتها الميدانية عبر تشغيل إحدى عشرة كبينة توعوية موزعة في مواقع استراتيجية داخل مشعر منى، وذلك في موسم حج هذا العام 1446هـ، بما يعكس التزام الوزارة بتعزيز التوجيه الديني الصحيح وتسهيل فهم المناسك للحجاج من مختلف الجنسيات والثقافات.

وتُعد هذه الكبائن مراكز توعوية ميدانية ذات طابع إرشادي مباشر، صُممت خصيصًا لتوفير المعلومات الدينية والرد على الاستفسارات الشرعية التي قد تطرأ على الحجاج أثناء تأديتهم لمناسكهم، وذلك بطريقة مبسطة وبلغات متعددة، وتهدف هذه المبادرة إلى تيسير أداء المناسك وفق تعاليم الإسلام الصحيحة، بعيدًا عن الاجتهادات الفردية أو المفاهيم المغلوطة التي قد تؤدي إلى إرباك الحجاج أو وقوعهم في الخطأ عن غير قصد.

وتضطلع هذه الكبائن بدور حيوي في المنظومة التوعوية الشاملة التي تنفذها وزارة الشؤون الإسلامية خلال موسم الحج، حيث يعمل فيها نخبة من الدعاة المؤهلين والمترجمين من ذوي الكفاءة العالية، والذين يتواجدون على مدار الساعة لتقديم الدعم الديني اللازم والإرشاد المباشر، ضمن منظومة خدمية تراعي احتياجات الحجاج الفردية، وتضع في مقدمة أولوياتها تسهيل تجربتهم الإيمانية، وتقديم الإجابة الفقهية الموثوقة المبنية على منهج الاعتدال والوسطية المستمد من الكتاب والسنة.

وتُسهم هذه الكوادر الميدانية، التي تم تأهيلها مسبقًا عبر برامج تدريبية تخصصية، في تقديم الإرشادات التي تُعزز فهم الحاج لمناسكه بشكل سليم، سواء تعلق الأمر بأداء الطواف، أو السعي، أو الرمي، أو المبيت، أو غيرها من شعائر الحج التي تتطلب معرفة دقيقة بتوقيتها وكيفيتها ومقاصدها، كما تتعامل هذه الفرق مع استفسارات الحجاج بروح المسؤولية والدقة، ما يُجنّب الحجاج الوقوع في اللبس أو التردد أثناء تنفيذ المناسك.

وقد حرصت الوزارة على توفير محتوى توعوي متعدد اللغات داخل هذه الكبائن، يشمل مطبوعات دينية ومواد إرشادية، تتم ترجمتها بدقة إلى عدد من اللغات العالمية المنتشرة بين وفود الحجيج، مثل الإنجليزية، والفرنسية، والأوردو، والإندونيسية، والتركية، والفارسية، وغيرها من اللغات التي تساعد على إيصال المفاهيم الدينية بطريقة سليمة وسهلة الاستيعاب، وتُعد هذه المطبوعات إحدى الأدوات التوعوية الأساسية التي تعتمدها الوزارة لتصحيح المفاهيم الخاطئة لدى بعض الحجاج، خاصة أولئك القادمين من بيئات ثقافية لا تتوافر فيها المصادر الدينية الموثوقة بشكل دائم.

ويؤكد هذا التوجه أن وزارة الشؤون الإسلامية لا تكتفي بدور تنظيمي أو إداري فقط، بل تضطلع أيضًا بدور معرفي وتربوي مهم، يسعى إلى حماية الحجاج من الوقوع في الأخطاء العقدية أو السلوكية، ويغرس فيهم الوعي الديني المبني على الاعتدال والوضوح، بعيدًا عن الغلو أو التشدد أو الاستسهال المخلّ، ويُجسد هذا التوجه العمق الشرعي الذي تنطلق منه السياسات الدينية للمملكة، والتي جعلت من خدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن أولوية دائمة للقيادة الرشيدة - أيدها الله -.

كما تُراعي هذه المبادرة التحديات اللغوية والثقافية التي قد تعيق تواصل بعض الحجاج مع الجهات المختصة، إذ تُقدَّم الاستشارات والإجابات بلغاتهم الأم، ما يعزز من فهمهم للمعلومة الدينية، ويُجنب الوقوع في التفسير الخاطئ، ويتماشى هذا مع التزام المملكة بتحقيق مبدأ الشمولية في الخدمة، وضمان أن كل حاج، بغض النظر عن خلفيته اللغوية أو الجغرافية، يحظى بالإرشاد الديني الدقيق الذي يعينه على أداء مناسكه كما ينبغي.

ولا تقتصر مهام الكبائن التوعوية على الجوانب الفقهية فقط، بل تشمل أيضًا توجيه الحجاج نحو السلوكيات الإيمانية الراقية التي يجب أن تسود خلال أدائهم للمناسك، مثل الصبر، والتسامح، والتعاون، واحترام النظام، وتجنّب إيذاء الآخرين، وهي قيم أصيلة في الشريعة الإسلامية، يُسهم التذكير بها في الحفاظ على الأمن الروحي والطمأنينة العامة في المشاعر المقدسة.

وقد أظهرت المؤشرات الميدانية أن هذه الكبائن تلقى إقبالًا واسعًا من الحجاج، الذين يثمّنون حرص الوزارة على إيصال المعرفة الدينية إليهم بشكل مباشر، ما يُعزّز من ثقتهم في الإجراءات التنظيمية والخدمية التي تشرف عليها المملكة، ويؤكد على المستوى المتقدم الذي بلغه العمل الدعوي والتوعوي في مواسم الحج الحديثة، ضمن إطار استراتيجي يخضع للتخطيط والمتابعة الدقيقة.

وتعكس هذه الجهود التزام وزارة الشؤون الإسلامية برسالتها الجوهرية، التي تتمثل في التيسير على الحجاج، والإسهام في بناء تجربة حج متكاملة لا تقتصر على الخدمات اللوجستية، بل تشمل أيضًا التوجيه الروحي والعقائدي، بما يحقق التوازن المطلوب بين أداء المناسك وشعور الحاج بالسكينة والوضوح فيما يُقدِم عليه من شعائر.

وتأتي هذه المبادرة ضمن سلسلة من البرامج النوعية التي أطلقتها الوزارة، بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، من أجل تطوير المحتوى التوعوي وتوسيع نطاقه، ليشمل مختلف النقاط الحيوية التي يرتادها الحجاج في المشاعر المقدسة، بما يتيح الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المستفيدين، عبر وسائل تواصل ميدانية مباشرة، تمثل إضافة نوعية في مسيرة العناية بضيوف الرحمن.

وبهذا، تُجسد الكبائن التوعوية نموذجًا تطبيقيًا حيًا لما تسعى إليه المملكة في خدمة الحجيج، حيث يتلاقى الجهد المؤسسي مع الوعي المجتمعي لتحقيق غاية سامية، هي تمكين الحجاج من أداء نسكهم على الوجه الأكمل، ضمن بيئة معرفية غنية، ودعم إنساني شامل، وإرشاد ديني رصين، يستمد مرجعيته من تعاليم الشريعة الإسلامية ومنهجها المعتدل.