أكد الدكتور عبد الله الشهري، مدير المركز الصحي رقم (19) في مشعر عرفات، أن المنظومة الصحية في المشعر قد بلغت أقصى درجات الجاهزية والاستعداد، تنفيذًا لتوجيهات القيادة الرشيدة التي تضع سلامة حجاج بيت الله الحرام على رأس أولوياتها، وتسعى إلى تهيئة كل السبل لضمان عودتهم إلى أوطانهم سالمين، بعد أن يؤدوا مناسكهم في راحة وطمأنينة، جاء ذلك خلال حديث الدكتور الشهري لقناة "الإخبارية"، حيث أوضح حجم الجهود المبذولة ميدانيًا في واحدة من أكثر الفترات حيوية في موسم الحج.
وأشار إلى أن المركز الصحي رقم (19) يُعد واحدًا من 46 مركزًا صحيًا تم توزيعها جغرافيًا على مشعر عرفات، لتُشكل معًا شبكة صحية شاملة تغطي كل مناطق المشعر بدقة، بما يضمن تقديم الخدمات الصحية العاجلة والفورية لأي حاج يحتاج إلى رعاية صحية أو تدخل طبي سريع، وأوضح أن هذه المراكز ليست الوحيدة في عرفات، بل إنها تتكامل مع عدد من المستشفيات التي تم تجهيزها خصيصًا لتلبية احتياجات الحجاج، سواء للحالات الطارئة أو المزمنة أو المتابعة الدورية.
وتُعد هذه الشبكة الصحية الضخمة جزءًا من منظومة صحية متكاملة تم إنشاؤها بإشراف مباشر من وزارة الصحة، وبدعم وتوجيه مستمرين من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، حيث يعكف المسؤولون على متابعة تفاصيل هذه المنظومة لضمان جاهزيتها الكاملة وتوفير جميع المتطلبات الطبية اللازمة لخدمة ضيوف الرحمن، انطلاقًا من مبدأ أن صحة الحاج وسلامته هي أولوية قصوى لا يمكن التهاون فيها.
وبيّن الدكتور الشهري أن هذه المنظومة الصحية المتكاملة تتوزع إداريًا على عشرة قطاعات صحية رئيسية، تعمل بتناغم كامل، وتحت مظلة تنظيمية دقيقة تُتيح سرعة التدخل والتعامل مع أي طارئ صحي خلال فترة الوقوف بعرفات، والتي تُعد من أهم محطات الحج وأكثرها حساسية نظرًا لعدد الحجاج الكبير المتواجد في نطاق جغرافي محدود في وقت محدد، لذا كان لا بد من استحداث أنظمة تشغيل ذكية وربط إلكتروني مباشر بين المراكز والمستشفيات وغرف العمليات المركزية لضمان استجابة فعالة للحالات الطارئة.
وقد وُضعت خطط تشغيلية مفصّلة لكل مركز من المراكز الصحية الـ46، تشمل آليات الفرز الأولي، ونقل الحالات، وتوزيع الكوادر الطبية، وتأمين الأدوية والمستلزمات، بالإضافة إلى خطط الطوارئ التي يتم تفعيلها في حال وقوع حوادث جماعية أو أزمات صحية مفاجئة، مثل حالات الإجهاد الحراري أو ضربات الشمس أو التكدسات البشرية، كما أن المراكز الصحية مجهّزة بوحدات إسعافية متقدمة وغرف إنعاش وطوارئ تعمل على مدار الساعة.
وأشاد الدكتور الشهري بكفاءة الكوادر الطبية والفنية والإدارية التي تعمل ضمن هذه المنظومة، مؤكدًا أن جميع العاملين تم تدريبهم مسبقًا وفق أعلى المعايير، وخضعوا لدورات تأهيلية متخصصة في التعامل مع الحشود، وإدارة الأزمات، والاستجابة السريعة، كما تم تزويد المراكز بتقنيات طبية حديثة تُمكن من تشخيص الحالات بدقة وسرعة، وتقديم العلاج المناسب في الوقت المناسب، ما يعزز من فرص الشفاء السريع، ويقلل من الحاجة لتحويل الحالات إلى مستشفيات خارج المشعر.
وتجدر الإشارة إلى أن الخدمات الصحية المقدمة في مشعر عرفات لا تقتصر على العلاج فقط، بل تشمل أيضًا برامج توعوية صحية تُقدم للحجاج بلغات متعددة، حول طرق الوقاية من الإجهاد الحراري، وأهمية شرب السوائل، والحفاظ على النظافة الشخصية، بالإضافة إلى نصائح طبية حول التعامل مع الأمراض المزمنة خلال أداء المناسك، كما تُوزع النشرات التوعوية والكتيبات والمطويات، ويتم استخدام الشاشات الإلكترونية واللوحات الإرشادية لنشر الوعي في محيط المشعر.
وقد شكّلت هذه المنظومة المتكاملة نموذجًا متقدمًا في إدارة الحشود الصحية في واحدة من أكبر التجمعات البشرية على مستوى العالم، ونجحت في التفاعل مع الحجاج بمهنية عالية تعكس التقدم الذي وصلت إليه المملكة في المجال الصحي، والتزامها الثابت بخدمة ضيوف الرحمن من لحظة وصولهم إلى المملكة وحتى مغادرتهم بعد أداء مناسكهم.
واختتم الدكتور الشهري تصريحه بتجديد التأكيد على أن ما يُقدَّم من خدمات صحية هو ثمرة لتوجيهات القيادة الرشيدة، التي لم تدخر جهدًا في دعم القطاع الصحي، وتوفير كل ما من شأنه أن يُسهم في نجاح موسم الحج، مبينًا أن التطلعات لا تقتصر على النجاح المؤقت، بل على الاستدامة في التميز والتطوير المستمر لكافة المرافق والمنشآت الصحية العاملة في المشاعر المقدسة.