التشريق
في ثالث أيام التشريق: الحجيج يرجمون الجمرات ويعودون بقلوب مطمئنة!
كتب بواسطة: محمد سميح |

أكمل حجاج بيت الله الحرام، اليوم الاثنين، ثالث أيام التشريق وآخر أيام مناسك الحج المباركة، حيث رمى ضيوف الرحمن الجمرات الثلاث بترتيبها المعتاد، مبتدئين بالجمرة الصغرى، تلتها الجمرة الوسطى، ثم جمرة العقبة الكبرى، وذلك في أجواء روحانية عامرة بالإيمان والخشوع، تغمرهم عناية الله سبحانه وتعالى وتحفهم رحمته الواسعة، وقد جرت هذه الشعيرة العظيمة وسط تنظيم دقيق ومتابعة ميدانية شاملة من مختلف الجهات المعنية، التي حرصت على تسهيل حركة الحجيج وتوفير كل ما من شأنه مساعدتهم على أداء النُسك بكل يسر وسلامة وطمأنينة.

وبعد الفراغ من رمي الجمرات، توجَّه جمع غفير من الحجاج نحو المسجد الحرام بمكة المكرمة لأداء طواف الوداع، الذي يُعد مسك ختام الرحلة الإيمانية العظيمة التي بدأت منذ أن نوى الحاج أداء الركن الخامس من أركان الإسلام، فكان الطواف الأخير بمثابة وداع شرفي لبيت الله الحرام، حيث تُسكب الدموع وتنهمر المشاعر، في لحظات عظيمة تختلط فيها مشاعر الفرح بأداء النُسك والحزن على فراق أطهر بقاع الأرض.

وقد اتسمت حركة الحجيج في تنقلهم بين مشعر منى والمشاعر الأخرى، وفي انتقالهم إلى مكة لأداء الطواف، بالانسيابية والسلاسة، حيث كان واضحًا أن الجهود التنظيمية والخطط الميدانية التي أعدّتها الجهات المعنية بالحج قد أثمرت في ضبط الأداء وتحقيق الراحة التامة لضيوف الرحمن، وقد عبّر كثير من الحجاج عن ارتياحهم البالغ لما لمسوه من تنظيم احترافي، وخدمات متكاملة، وحُسن استضافة ورعاية شاملة في كل موقع من مواقع المشاعر المقدسة.

ويُعد هذا اليوم من أعظم الأيام في حياة المسلم، فهو يوم الوداع لمشعر منى، ذلك المشعر الذي قضى فيه الحجاج أيامًا من أقدس أيام الدنيا، أدّوا فيها واجباتهم، ورموا الجمرات في رمزية واضحة للتخلص من الذنوب والمعاصي والانتصار على وساوس النفس والشيطان، وسكبوا فيها دموع الخشوع والتوبة والرجاء، ما بين ذكر وتسبيح ودعاء، وقد تركت هذه الأيام المباركة في قلوب الحجيج أثرًا لا يُمحى، إذ عاشوا في مشاعرها أجمل لحظات حياتهم، متجردين من الدنيا، متوجهين بقلوبهم إلى المولى عز وجل، وقد أشرق النور في نفوسهم بفضل هذا التقرّب العظيم.

أما مشعر منى، فقد ودّع الحجاج في صمت مهيب، وهو يحتضن قصصهم ومشاعرهم وأمنياتهم التي نثروها بين جنباته، يحملون معه أجمل الذكريات، وقد بات هذا المكان بالنسبة لهم رمزًا لحجّهم المبارك ومحطّة لا تُنسى في رحلتهم الإيمانية، فبين جنبات منى عاش الحجاج لحظات عظيمة، سكبوا فيها العبرات، ورفعوا فيها الأكفّ بالدعاء، واستشعروا عظمة الزمان والمكان، مستحضرين فيها مدى الحاجة إلى مغفرة الله، وطامعين في أن يعودوا إلى أوطانهم وقد غُفرت لهم الذنوب وطُهّرت قلوبهم من الأدران.

وقد اتفقت مشاعر الحجاج على أن اللحظات التي جمعتهم مع مكة والمشاعر المقدسة كانت لحظات من العمر، تعجز الكلمات عن وصفها، وتبقى عالقة في الذاكرة مهما تقادم الزمن، فالرحلة إلى منى ليست فقط تنقلًا جغرافيًا، بل هي ارتحال روحي، فيه يُقبل العبد على الله في أقدس بقاع الأرض، يطلب المغفرة ويستزيد من الرحمات.

وبينما تُغلق صفحة هذه الرحلة العظيمة، وتبدأ وفود الحجيج في الاستعداد للعودة إلى أوطانهم، فإنهم يحملون معهم في قلوبهم أمنية واحدة، أن يُكتب لهم الحج المبرور والسعي المشكور، وأن يكون حجهم سببًا في مغفرة ما تقدم من ذنب، وأن يكونوا ممن قيل فيهم: "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"، وقد رفع الحجاج أكفّهم بالدعاء في طواف الوداع بأن يعودوا إلى أهلهم سالمين غانمين، حاملين في أرواحهم بركة المكان وطهر الزمان.

وفي مشهد يفيض بالجلال والهيبة، انطلقت أفواج الحجيج من منى إلى مكة، في سلاسة وتنظيم ميداني منقطع النظير، لتأدية طواف الوداع، وسط منظومة أمنية وخدمية عالية الكفاءة، سخّرت فيها المملكة العربية السعودية كل ما لديها من إمكانات بشرية وتقنية، لضمان موسم حج استثنائي كما عوّدت العالم الإسلامي في كل عام، وقد مثّلت هذه اللحظات ختامًا رائعًا لمسيرة إيمانية امتدت لأيام معدودة لكنها غيّرت حياة الملايين.

وقد أكد الكثير من الحجاج أن التجربة التي عاشوها خلال الحج كانت استثنائية بكل المقاييس، وأن ما لمسوه من رعاية وخدمة وتنظيم على أعلى المستويات يعكس بوضوح حجم الجهد الهائل الذي تبذله حكومة خادم الحرمين الشريفين في سبيل التيسير على ضيوف الرحمن، وتوفير البيئة الآمنة والروحانية لأداء مناسكهم على أكمل وجه.

وبعد انتهاء مناسك الحج، يتأهب الحجاج للعودة إلى بلادهم، وكلهم أمل أن يكونوا من المقبولين، وأن يُكرمهم الله بزيارة جديدة إلى بيته الحرام، في قابل الأعوام، وقلوبهم معلّقة بمكة والمشاعر، حيث تجسّدت أعظم معاني الطاعة والانقياد لله.