أعلنت شركة "جوجل" عن إطلاق ميزة جديدة في خدمتها الشهيرة للبريد الإلكتروني "جي ميل"، تتمثل في تقديم ملخصات ذكية لمحتوى الرسائل باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وذلك عبر دمج نموذج المحادثة الذكي "جيميني" في واجهة البريد الإلكتروني، وتأتي هذه الخطوة في إطار توجه الشركة المستمر نحو تعزيز وظائف تطبيقاتها وتقديم تجربة أكثر ذكاءً للمستخدمين، من خلال استغلال القدرات المتطورة للذكاء الاصطناعي التوليدي في تبسيط التعامل مع البيانات والمعلومات المتراكمة في صناديق البريد.
وقد لاحظ عدد من مستخدمي "جي ميل"، سواء على أجهزة الكمبيوتر المحمولة أو المكتبية، ظهور خيار إضافي جديد على جانب واجهة البريد، يُتيح للمستخدم السماح لـ"جيميني" بالوصول إلى الرسائل البريدية وتقديم ملخص ذكي لمحتواها، خاصة في الحالات التي تتضمن سلاسل طويلة من الرسائل، أو مراسلات متعددة المشاركين، أو رسائل تحتوي على عدة ردود ذات طابع متشابك، ووفقًا لما أوضحته الشركة، فإن هذه الملخصات ستظهر تلقائيًا أعلى الرسالة التي يُقدّر النظام أن الملخص سيكون مفيدًا لها، وذلك لتسهيل الفهم السريع للمحتوى وتوفير الوقت على المستخدم.
وتُعد هذه الخاصية نقلة نوعية في طريقة تصفح البريد الإلكتروني، إذ ستمكّن المستخدمين من الاطلاع على مضمون الرسالة بشكل سريع، دون الحاجة إلى قراءة كامل محتواها، خصوصًا عندما يتعلق الأمر برسائل متكررة أو طويلة تتضمن العديد من التفاصيل، ومن شأن هذا التغيير أن يُعزز الإنتاجية ويُقلل من الوقت الضائع في تحليل الرسائل المعقدة، لا سيما في بيئات العمل التي تشهد تراكمًا يوميًا كبيرًا في البريد الإلكتروني.
وأوضحت "جوجل" أن الميزة ستعمل تلقائيًا في تطبيقات "جي ميل" على الهواتف الذكية وفي الإصدارات المخصصة للأجهزة المحمولة، بحيث يتم تفعيلها بشكل افتراضي ما لم يقرر المستخدم تعطيلها يدويًا من خلال إعدادات الخصوصية أو التفضيلات، ومع ذلك، فإن الميزة في مرحلتها الأولى ستكون متاحة فقط باللغة الإنجليزية، على أن يتم دعم لغات إضافية في مراحل لاحقة من التحديثات المستقبلية، وهو ما يعكس خطة تدريجية لتعميم التقنية بشكل مدروس وشامل.
أما بالنسبة للمستخدمين في مناطق معينة من العالم مثل الاتحاد الأوروبي، اليابان، سويسرا، والمملكة المتحدة، فستبقى خاصية الملخصات اختيارية، بحيث يمكن للمستخدم الاشتراك فيها يدويًا إذا رغب بذلك، ما يُبرز حرص "جوجل" على الامتثال للأنظمة والقوانين المحلية التي تتعلق بالخصوصية وحماية البيانات، لا سيما في الدول التي تطبق قوانين صارمة مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR).
وقد بيّنت "جوجل" أن "جيميني" سيقوم بقراءة الرسائل وتحليل محتواها لاستخلاص النقاط الجوهرية، بحيث يركّز الملخص على أبرز ما ورد من معلومات، ويوفر نظرة عامة شاملة للمستخدم دون الحاجة إلى الغوص في تفاصيل جميع الردود، كما أشارت الشركة إلى أن الملخصات سيتم تحديثها بشكل مستمر، بحيث يتم دمج أي ردود لاحقة أو إضافات واردة ضمن السلسلة البريدية في الملخص الجديد تلقائيًا، ما يُبقي المستخدم على اطلاع دائم بأهم المستجدات.
وتأتي هذه الخاصية كجزء من حزمة أدوات الذكاء الاصطناعي التي تعكف "جوجل" على تطويرها ودمجها تدريجيًا في خدماتها، لتقديم تجربة تفاعلية متقدمة تفهم السياق وتُحسّن تفاعل المستخدم مع التطبيقات اليومية، ويُتوقع أن يكون لهذه الميزة تأثير واسع على طريقة استخدام البريد الإلكتروني، ليس فقط في المجال الشخصي، بل على وجه الخصوص في القطاع المهني، حيث تعتمد معظم الشركات على البريد الإلكتروني كوسيلة تواصل أساسية، وتحتاج إلى أدوات تسهّل عملية الفهم والاستجابة السريعة.
كما يأتي هذا الإعلان في سياق تنافسي يشهد تسارعًا كبيرًا بين عمالقة التكنولوجيا لدمج حلول الذكاء الاصطناعي ضمن خدماتهم الأساسية، لا سيما بعد التطور الكبير في تقنيات المعالجة اللغوية وفهم النصوص، وتسعى "جوجل" من خلال هذا التوجه إلى الحفاظ على ريادتها في سوق البريد الإلكتروني، الذي يشهد تزايدًا في الاعتماد على الأدوات الذكية.
وقد رحّب كثير من المستخدمين بهذه الميزة الجديدة، واعتبروها خطوة في الاتجاه الصحيح لتسهيل إدارة الرسائل الكثيفة والمتكررة، خاصة في بيئات العمل السريعة، كما عبر البعض عن حذرهم من هذه الإمكانية الجديدة، معتبرين أنها تفتح تساؤلات حول كيفية معالجة الرسائل وحماية الخصوصية، رغم تأكيدات "جوجل" المتكررة بأن البيانات تُعالج بأمان تام، وأن الأنظمة تلتزم بمعايير الخصوصية والأمان الصارمة.
وتشير توقعات المحللين إلى أن هذه الميزة قد تشكّل بداية لتحول أكبر في استخدام البريد الإلكتروني، حيث تصبح الخدمات أكثر تفاعلية وتفهمًا لاحتياجات المستخدمين، مما قد يقلل من الاعتماد على طرق الفحص اليدوي والقراءة التقليدية للرسائل، كما أن التكامل المتوقع لاحقًا بين "جيميني" وخدمات "جوجل ورك سبيس" الأخرى، مثل "دوكس" و"ميت" و"كالدندر"، قد يفتح الباب أمام تطبيقات أوسع للذكاء الاصطناعي في بيئة العمل الرقمية.
وفي الوقت الذي تُخطط فيه "جوجل" لتوسيع نطاق هذه الخاصية عالميًا، تبقى آراء المستخدمين وتجاربهم العملية هي المحكّ الأساسي لنجاح الفكرة واعتمادها بشكل موسع، ومن المنتظر أن تقوم "جوجل" بجمع الملاحظات والبيانات التشغيلية من المراحل الأولى للإطلاق، من أجل تحسين الأداء ومعالجة أي تحديات تظهر مع مرور الوقت.