في مشهد تقني سريع التحوّل، أعلنت شركة "ميني ماكس" الصينية عن إطلاق نموذج لغوي كبير جديد يحمل اسم "MiniMax-M1"، في خطوة جريئة تنافس بها عمالقة الذكاء الاصطناعي المحليين وتحديدًا نموذج "ديب سيك" الشهير، الذي تهيمن به الصين على ساحات الاستدلال الذكي.
ويقع مقر الشركة في شنغهاي، وهي واحدة من الشركات الناشئة الطموحة التي برزت في الآونة الأخيرة بدعم تقني ومالي ضخم، وقد أشادت الشركة بأداء نموذجها الجديد، مؤكدة أنه قادر على تنفيذ مهام إنتاجية بالغة التعقيد بدقة وسرعة مذهلتين.
وبحسب تقرير وكالة بلومبرغ، الذي استندت إليه منصة "العربية Business"، فإن الشركة تزعم أن نموذج "M1" يتفوق على كافة النماذج المنافسة ذات الكود المغلق المنتجة محليًا داخل الصين، وهو ادعاء طموح يعكس ثقة الفريق المطور في أدائه.
وتشير نتائج الاختبارات التي كشفت عنها "ميني ماكس" إلى أن "M1" تجاوز حتى أحدث طرازات ديب سيك، المعروف باسم "R1-0528"، من حيث كفاءة الأداء ودقة النتائج في مجموعة من المعايير القياسية المعتمدة.
واحدة من النقاط اللافتة في النموذج الجديد هي قدرته على التعامل مع سياق لغوي يصل طوله إلى مليون وحدة، وهو ما يُعد ثمانية أضعاف قدرة نموذج "DeepSeek R1"، ما يمنح "M1" ميزة تنافسية قوية في تحليل كمّ ضخم من البيانات دفعة واحدة.
هذا التفوق لا يقتصر فقط على الأداء، بل يمتد إلى الكفاءة في استهلاك الموارد، فقد أوضحت "ميني ماكس" أن النموذج قد يحتاج في بعض الحالات إلى 30% فقط من الموارد التي يستخدمها ديب سيك، ما يشير إلى إمكانية استخدامه في بيئات أقل تكلفة دون التضحية بالجودة.
رغم هذا، أبدت وكالة بلومبرغ تحفظًا على دقة هذه الادعاءات، موضحة أنها لم تتمكن من التحقق بشكل مستقل من بيانات "ميني ماكس"، ما يفتح الباب أمام مزيد من المراقبة والتدقيق في المستقبل القريب.
وفي تفاصيل التدريب، استخدمت الشركة تقنيات التعلم المعزز بشكل مكثف لتطوير "M1"، معتمدة على 512 وحدة معالجة رسومية من نوع "Nvidia H800"، بتكلفة إيجارية بلغت أكثر من نصف مليون دولار، ما يعكس مدى الاستثمارات الكبيرة وراء المشروع.
ما يعزز مكانة "ميني ماكس" في هذا السباق المحموم هو دعمها من عملاقي الإنترنت في الصين، "تينسنت" و"علي بابا"، اللذَين يملكان القدرة على توفير بنية تحتية ومعرفية تساعد في تسريع وتيرة الابتكار.
وتعد "ميني ماكس" جزءًا من مجموعة متميزة مكونة من ست شركات ناشئة تُعرف محليًا باسم "التنانين الصغيرة"، وهي مجموعة تمثل الجيل الجديد من مطوري الذكاء الاصطناعي في البلاد، وتسعى لكسر احتكار النماذج الأجنبية والارتقاء بالتقنيات الوطنية.
وقد استطاعت هذه الشركات مجتمعة أن تجمع تمويلات ضخمة تُقدّر بمليارات الدولارات في عام واحد، مما يشير إلى ثقة المستثمرين الكبيرة في قدرة الصين على بناء بيئة ذكاء اصطناعي منافسة عالميًا.
لكن، في مقابل هذا النمو المتسارع، كان لصعود "ديب سيك" أثر سلبي على بعض هذه الشركات، حيث اضطرت إلى تقليص أو وقف مشاريعها البحثية الأساسية، موجهة مواردها نحو التطبيقات العملية فقط.
وسط هذا المناخ المتشابك من المنافسة والدعم والتحديات، يظهر "MiniMax-M1" كإشارة قوية على رغبة الشركات الصينية في امتلاك زمام المبادرة والابتكار، بدلًا من مجرّد مجاراة اللاعبين الدوليين.
وقد يكون هذا الإعلان بداية لتحولات أكبر في سوق الذكاء الاصطناعي الآسيوي، حيث تسعى كل شركة لإثبات جدارتها، ليس فقط من خلال الأداء، بل من خلال تقديم نموذج يُراعي التكاليف، الكفاءة، والقدرة على التكيف مع استخدامات متعددة.
في النهاية، تظل التجربة الفعلية للمستخدمين، إضافة إلى التقييمات المستقلة، هي الحكم الحقيقي على فعالية هذا النموذج الجديد، والذي من الواضح أنه وُلد ليخوض معركة شرسة في ساحة الذكاء الاصطناعي الصينية والعالمية.