في خطوة استراتيجية نحو تعزيز كفاءة الإنفاق وتحسين إدارة الموارد الصحية، شرعت الجهات المعنية في القطاع الصحي بالمملكة في تطبيق نظام "التسعير المرجعي" للخدمات الصحية داخل المستشفيات، ويهدف هذا النظام إلى تحقيق التوازن بين جودة الخدمة الطبية وتكلفتها، ما يضمن استدامة تقديم الرعاية الصحية على أسس مالية مدروسة.
ويُعد التسعير المرجعي أداة تنظيمية تضع حدودًا واضحة لتكاليف الخدمات والإجراءات الطبية، من خلال تحديد أسعار مرجعية مبنية على معايير علمية ومقارنات مع أنظمة صحية محلية ودولية، ويأتي هذا التوجه في إطار سعي المملكة نحو تحقيق تحول صحي متكامل يدعم مبادئ الشفافية والمساءلة.
ويرتكز النظام الجديد على جمع وتحليل بيانات تفصيلية من المستشفيات الحكومية والخاصة، بهدف تحديد الأسعار العادلة للخدمات المقدمة، مع مراعاة الاختلاف في الموارد والكوادر والبنية التحتية، ويتيح ذلك تقليل التفاوت الكبير في الأسعار بين المنشآت، ومنع الاستغلال أو التسعير غير المبرر.
وأوضحت الجهات المشرفة على البرنامج أن تطبيق التسعير المرجعي سيشمل خدمات متنوعة تشمل الجراحة، الأشعة، التحاليل المخبرية، الإجراءات التداخلية، والعناية المركزة، وغيرها من مجالات الطب السريري، ما يسهم في توحيد المعايير وتحقيق عدالة أكبر في توزيع الموارد.
ويُنتظر أن يسهم هذا التوجه في تعزيز فعالية التمويل الصحي وتحسين قدرة النظام على تغطية الاحتياجات المتزايدة للسكان، خاصة مع تنامي الطلب على الخدمات الصحية بسبب التغيرات السكانية ونمط الحياة المتسارع، كما أنه يعزز مبدأ كفاءة الأداء داخل المستشفيات.
وبحسب مختصين في الإدارة الصحية، فإن التسعير المرجعي يحقق فائدة مزدوجة، إذ يضبط النفقات المهدرة من جهة، ويرفع من جودة الخدمة المقدمة من جهة أخرى، لأن المستشفيات ستُحفّز على تحسين كفاءتها التشغيلية لتتناسب مع الأسعار المحددة وتبقى ضمن الحدود المرجعية.
ويُعد هذا النظام أحد مكونات التحول في تمويل الرعاية الصحية الذي تسعى إليه وزارة الصحة والجهات التنظيمية، ضمن أهداف رؤية السعودية 2030 التي تضع في صلب أولوياتها رفع كفاءة القطاع الصحي وضمان استدامة خدماته وجودته على المدى الطويل.
وقد أظهرت تجارب عالمية سابقة أن تطبيق التسعير المرجعي ساهم في خفض تكاليف الرعاية الصحية بنسبة تصل إلى 20% في بعض الدول، إلى جانب تقليل الهدر المالي، وتوجيه الموارد إلى المناطق الأشد احتياجًا أو التخصصات التي تعاني نقصًا في الكوادر والخدمات.
ويتم تطوير قاعدة البيانات المرجعية بالتعاون مع هيئات التأمين الصحي، والمراكز الوطنية للمعلومات الصحية، لتشكيل منظومة موحدة تضمن دقة الأسعار المقترحة وواقعيتها، مع مراجعة دورية للأسعار كل فترة لتواكب التغيرات في السوق الطبي والتكلفة التشغيلية.
كما أن هذا النظام يعزز مبدأ المقارنة بين أداء المنشآت الصحية المختلفة، ويحفزها على تحسين مؤشرات الجودة، مثل رضا المريض، وسرعة الوصول للخدمة، ونسب النجاح في الإجراءات الطبية، إذ ستكون ملزمة بالعمل بكفاءة أكبر ضمن إطار مالي أكثر صرامة.
وأكدت الجهات المسؤولة أن التسعير المرجعي لن يؤثر على أهلية المواطن للحصول على العلاج، بل يضمن له خدمة عالية الجودة بتكلفة عادلة ومنصفة، ويمنع التباين الكبير في الفواتير، خاصة في المستشفيات الخاصة التي كانت تتفاوت أسعارها بشكل غير مبرر.
ومن المتوقع أن يكون لهذا التوجه أثر إيجابي على شركات التأمين الصحي التي ستتمكن من التخطيط المالي بدقة أكبر، وتحديد نسب التغطية بناء على أسعار واضحة، مما يساهم في ضبط السوق وتقليل النزاعات المالية بين المرضى والمزودين.
وبالإضافة إلى ضبط الأسعار، فإن النظام يفتح المجال أمام الجهات الصحية لمراقبة سلوك مقدمي الخدمة وتحديد أي ممارسات تسعيرية غير نظامية، وهو ما يعزز الرقابة على جودة الخدمات ويمنح الجهات التنظيمية القدرة على التدخل عند الضرورة.
ويُعَدّ تطبيق هذا النموذج خطوة جديدة في مسار تطوير النظام الصحي بالمملكة، ويؤكد التزام الدولة ببناء قطاع صحي يتميز بالكفاءة، العدالة، والقدرة على الاستجابة لمتطلبات المستقبل، في ظل استثمار كبير في البنية التحتية الرقمية والموارد البشرية.
وفي ظل تسارع التحول الرقمي في القطاع الصحي، فإن البيانات التي سيتم جمعها لأغراض التسعير المرجعي ستُستخدم أيضًا في تعزيز السياسات الصحية، ورسم صورة دقيقة عن واقع التكلفة والإنتاجية داخل النظام، بما يخدم متخذي القرار على جميع المستويات.