ذكاء اصطناعي
"السلاح السري" للشركات الناشئة.. كيف تواجه "الأسماك الصغيرة" عمالقة التكنولوجيا في جنوب شرق آسيا؟
كتب بواسطة: هلال الحداد |

بينما يسلّط العالم عدساته على الصراع التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين، ثمة مشهد آخر يتشكل بهدوء في زوايا جنوب شرق آسيا، حيث تخوض الشركات الصغيرة هناك سباقًا حاسمًا ضد التلاشي، هذه الشركات، التي لطالما اتُّخذت كمجرد لاعبين هامشيين، بدأت اليوم في التسلح بالذكاء الاصطناعي كخيار لا بديل عنه للبقاء.

فبحسب خبراء، لم تعد مسألة تبني الذكاء الاصطناعي ترفًا أو خطوة استباقية، بل أصبحت ضرورة مصيرية، فمن لا يركب قطار التكنولوجيا سيُترك خلفه، أو يبتلعه العملاق القادم، وبكلمات مباشرة أطلقها أستاذ التسويق في جامعة سنغافورة الوطنية، جوخن ويرتز: "تبنَّ أو مُت".

الدافع خلف هذه الثورة التكنولوجية الصامتة ليس فقط المنافسة، بل أيضًا التركيبة السكانية الشابة، فجيل جديد من رجال الأعمال، معظمهم دون الأربعين، يتولى قيادة الشركات في فيتنام والفلبين وماليزيا، ويُظهر تعطشًا واضحًا لتقنيات المستقبل.

في هذا السياق، تقدم تقارير غوغل ومجموعة بوسطن الاستشارية مؤشرات مثيرة؛ حيث تحتل دول المنطقة مراكز متقدمة عالميًا في مؤشرات البحث عن الذكاء الاصطناعي، ما يعكس فضولًا متزايدًا واهتمامًا غير تقليدي بهذه التكنولوجيا.

ومن أبرز الملامح التي ترسم المشهد التكنولوجي الجديد في جنوب شرق آسيا، هو التركيز على الذكاء الاصطناعي التوليدي، المعروف بـGenAI، والذي أثبت فاعليته في إنشاء المحتوى والترجمة الفورية، خصوصًا في بيئة متعددة اللغات.

منصة "Lita Global" الإندونيسية تمثل نموذجًا رائدًا، حيث استطاعت عبر أدوات OpenAI مضاعفة تفاعل مستخدميها وتحقيق نمو سريع في الإيرادات، وصل إلى 20% أسبوعيًا، لقد كان التأثير واضحًا ومباشرًا على تجربة المستخدم والنمو السوقي.

كما أن المنصة استخدمت الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة التفاعل بين اللاعبين، ما ساعد في تقليص وقت الاستجابة ورفع الطلب على الخدمات المدفوعة مثل اللاعبين المؤجرين، وهي حلول مبتكرة لم تكن واردة في السابق.

في جانب آخر، وضمن موجة التسوق عبر البث المباشر، لجأت بعض الشركات إلى تشغيل عروض ذكية قائمة على الذكاء الاصطناعي، دون الحاجة لمقدّمي بث بشريين، بتكلفة لا تتجاوز دولارًا للدقيقة، خطوة أزالت واحدة من أكبر العقبات المالية والتشغيلية أمام هذه المشاريع.

لكن رغم كل هذه الإيجابيات، تبقى الكلفة عقبة حقيقية، فشركة Lita Global نفسها تعترف بإنفاقها الشهري الذي يصل إلى 2000 دولار على أدوات الذكاء الاصطناعي، أغلبها مخصص لواجهات OpenAI، مبلغ ليس بالبسيط لشركة ناشئة تحاول الاستمرار.

ويؤكد هذا التحدي سوميك باريدا من جامعة RMIT في فيتنام، موضحًا أن بعض الشركات الصغيرة بدأت بالفعل في استخدام روبوتات دردشة لتلقي الطلبات، لكنها تتوقف أمام المهام الأكثر تعقيدًا بسبب محدودية الميزانيات.

ومع ذلك، لا يبدو أن هذه القيود ستكبح الاندفاعة، إذ إن روح المبادرة، إلى جانب توفّر أدوات رقمية مرنة وتكلفة أقل مقارنة بالغرب، تجعل المنطقة مهيّأة للقفز التكنولوجي، هناك إرادة واضحة للابتكار رغم شُحّ الموارد.

في وجه هذا الواقع الجديد، تبدو الشركات الصغيرة في جنوب شرق آسيا كمن يمشي على حبل مشدود: إما أن تتبنى الذكاء الاصطناعي في عمق عملياتها التجارية أو تُنسى في زحمة التقدم التقني الذي لا ينتظر أحدًا.

ويرى المراقبون أن الفرصة اليوم هي في مرونة هذه الشركات وقدرتها على التجريب والتكيّف، لا في حجمها، وفي بيئة يهيمن عليها التحول الرقمي، يبدو أن البقاء لن يكون للأكبر، بل للأكثر ذكاءً في إدارة التكنولوجيا.

ومع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في خدمات العملاء والتسويق الرقمي وتحليل البيانات، يتعزز إحساس هذه الشركات بأن النجاح لم يعد مرتبطًا بالموارد بقدر ما يرتبط بمدى القدرة على تبنّي التقنية وتطويعها للواقع المحلي.

وبينما تتفاوت درجات النضج التكنولوجي في دول المنطقة، تتشارك هذه الأسواق في طموح واضح: ألا تتحول إلى مجرد أسواق استهلاكية، بل إلى مراكز إبداعية تقود مسارها التكنولوجي بنفسها، وتفرض حضورها في المشهد العالمي الآخذ بالتغير.

الأكثر قراءة
آخر الاخبار