صراع تقني
"جبهة جديدة" في "حرب الرقائق".. كيف وجهت "تايوان" ضربة قاصمة لعملاق التكنولوجيا الصيني؟
كتب بواسطة: سعيد الصالح |

في تطور جديد يعكس اشتداد الصراع الجيوسياسي والتكنولوجي بين الصين وخصومها، أقدمت تايوان مؤخرًا على خطوة حاسمة أثارت غضب بكين، عبر انضمامها رسميًا إلى الجهود الدولية الهادفة للحد من نفوذ شركة "هواوي" الصينية.

خطوة وصفتها تقارير عدة بأنها تصعيد لافت في واحدة من أكثر المعارك تعقيدًا في العالم الرقمي.

فقد أدرجت تايوان عددًا من الشركات الصينية الكبرى على قائمتها السوداء، وعلى رأسها "هواوي" و"SMIC"، ما يمنع الشركات التايوانية من التعامل مع هذه الكيانات دون تراخيص رسمية، القرار يقطع أوصال التعاون التجاري بين الطرفين، ويستهدف منع وصول هذه الشركات إلى سلاسل التوريد المتقدمة التي تقودها شركات مثل TSMC التايوانية الرائدة في صناعة الرقائق.

المتحدثة باسم مكتب شؤون تايوان في بكين، تشو فنغ ليان، عبّرت عن استياء الصين الشديد، مؤكدة أن بكين "ستتخذ إجراءات حازمة" لحماية ما وصفته بالنظام الطبيعي للتبادل التجاري بين ضفتي المضيق، وهي لغة دبلوماسية تخفي وراءها تهديدات مباشرة بردود فعل قوية قد تُفاقم التوترات.

ما فعلته تايوان لا يأتي من فراغ، فالعلاقات الوثيقة التي تربطها بالولايات المتحدة، والتي تعززت خلال السنوات الأخيرة، تجعل من الانحياز للصف الأميركي خيارًا إستراتيجيًا، الولايات المتحدة تمارس ضغوطًا مكثفة منذ سنوات على حلفائها من أجل عزل هواوي وإضعاف تقدم الصين في سباق التكنولوجيا.

إحدى الضربات السابقة للصين كانت عبر منع شركة ASML الهولندية من تزويد بكين بآلات الطباعة فوق البنفسجية القصوى، وهي من الأدوات الأساسية في صناعة الشرائح الدقيقة، خطوة حوّلت الخناق على الصين من تضييق اقتصادي إلى خنق تقني.

إدراج هواوي على "القائمة السوداء" الأميركية سابقًا كان حدثًا مفصليًا، إذ منع الشركات الأميركية من التعامل معها، بل وامتد ليشمل أي شركة أجنبية تستخدم براءات اختراع أميركية، مما ضيّق الخناق على الشركة بشكل غير مسبوق.

الصين، رغم هذه الضغوط المتصاعدة، لم تقف مكتوفة اليدين، شركات مثل "SMIC" و"Huawei" أثبتت قدرتها على الالتفاف على العقوبات، وتقديم بدائل محلية، ولو بشكل تدريجي، لكن من الواضح أن الهوة التكنولوجية لا تزال قائمة، خصوصًا في مجالات مثل أشباه الموصلات المتقدمة.

ومع دخول تايوان رسميًا في المعسكر المناهض لـ"هواوي"، فإن الطريق أمام الصين لاستعادة المبادرة في هذا القطاع الحيوي أصبح أكثر وعورة، العلاقة المعقدة بين تايبيه وبكين، التي تتسم بالتعايش الاقتصادي رغم التوتر السياسي، قد تكون دخلت الآن مرحلة أكثر تشددًا.

ولا يبدو أن المسألة ستتوقف عند قرار تايوان، فهناك مؤشرات على استعداد دول أخرى في المنطقة للحذو حذوها، خصوصًا مع استمرار الضغوط الأميركية الرامية لتكوين تحالف تقني مضاد لبكين.

تاريخيًا، استفادت الصين من علاقتها التجارية مع تايوان، خصوصًا في قطاع الرقائق الإلكترونية، لكن هذه العلاقة بدأت تتفكك، ما يعني أن بكين ستضطر لإعادة ترتيب أوراقها، سواء عبر تعزيز الابتكار المحلي، أو محاولة كسر العزلة الدولية المفروضة عليها.

ما يزيد الأمور تعقيدًا أن القرار التايواني جاء في وقت تشهد فيه بكين تحديات داخلية أيضًا، تتعلق ببطء الاقتصاد والحاجة إلى تحفيز النمو عبر التكنولوجيا، لكن مع هذه القيود المتزايدة، فإن طموحات "الصين التكنولوجية" تبدو مهددة أكثر من أي وقت مضى.

وبينما تستعد الصين للرد على هذه الخطوة، يبقى السؤال المطروح هو: هل تملك فعلاً أدوات فعّالة للرد، أم أن الواقع الجديد سيجبرها على مزيد من التراجع المؤقت في هذا السباق المحتدم؟ الإجابة ستحدد مستقبل التوازن التكنولوجي العالمي في السنوات القادمة.