في خطوة وُصفت بالتاريخية، أعلنت رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي عن ترجمة خطبة الجمعة في المسجد الحرام إلى 35 لغة مختلفة، في سابقة تُعد الأولى من نوعها، وتهدف إلى إيصال مضامين الخطبة ومقاصدها الروحية والثقافية إلى المسلمين حول العالم، بما يعزز من مكانة الحرمين الشريفين كمركز إشعاع ديني وإنساني عالمي.
وتأتي هذه المبادرة ضمن مساعي الرئاسة المتواصلة لتطوير منصاتها الرقمية وتوسيع دائرة التأثير الروحي للمسجد الحرام، من خلال استخدام تقنيات حديثة تواكب التطور التكنولوجي، وتمكّن المتلقين في أصقاع الأرض من فهم الخطبة والتفاعل مع مضامينها عبر لغاتهم الأم، بما يحقق رسالة الحرمين الشريفين القائمة على الاعتدال والتسامح.
وبحسب البيان الرسمي الصادر عن الرئاسة، فإن خطبة الجمعة ليوم الغد من المسجد الحرام ستُترجم إلى 35 لغة وتُبث عبر المنصات الرقمية المعتمدة، وسيؤم المصلين فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس، الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، الذي أكد في أكثر من مناسبة أهمية مخاطبة المسلمين بلغاتهم المختلفة لتعزيز الفهم والتواصل الحضاري.
وتهدف الترجمة إلى إثراء تجربة الزائرين والمعتمرين، وإبراز فضائل وآداب يوم الجمعة، وتيسير الوصول إلى الرسالة الدعوية والوعظية التي يحملها منبر الحرم المكي، والذي يشهد أسبوعيًا حضورًا هائلًا من المصلين من مختلف الجنسيات والثقافات، ويعد من أكثر المنابر الدينية متابعة في العالم الإسلامي.
ومن جهته، أوضح الأستاذ فهيم بن حامد الحامد، مستشار رئيس الشؤون الدينية والمشرف العام على الإعلام والتواصل بالرئاسة، أن المشروع هو امتداد لرؤية الشيخ الدكتور السديس في جعل الحرمين الشريفين مركزًا للتواصل العالمي، وجسرًا بين الشعوب، لا سيما في ظل تزايد الحاجة إلى لغة وسطية جامعة تخاطب الإنسان أيًا كان انتماؤه الجغرافي أو الثقافي.
وأضاف الحامد أن الترجمة تشمل لغات عالمية كالعربية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية والصينية والروسية والتركية والأوردو والفارسية والبنغالية والهندية وغيرها، وهو ما يشير إلى استهداف شريحة واسعة من المتلقين، ويتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030 في دعم التعددية والتقارب الثقافي.
وتُعد ترجمة خطبة الجمعة أحد الأهداف الاستراتيجية للرئاسة، والتي وضعتها ضمن أولوياتها لتوسيع دائرة التأثير الإيجابي للحرمين الشريفين، من خلال نشر مضامين الخطبة التي تدعو إلى السلم والمحبة والرحمة بلغة يفهمها المتلقي، بعيدًا عن حواجز اللغة، وبأسلوب يراعي الفروقات الثقافية والفكرية.
وقد شهدت السنوات الماضية توسعًا ملحوظًا في استخدام الرئاسة للتقنية الحديثة في خدماتها الدعوية، وشهدت المنصات الرقمية تطورًا نوعيًا من حيث التفاعل والانتشار، حيث باتت تصل إلى ملايين المسلمين حول العالم، خاصة في مواسم الحج والعمرة، وهو ما جعل من هذه المبادرة تتويجًا لجهود رقمية ممتدة.
وتُشير مؤشرات الرئاسة إلى أن خدمة الترجمة ستُبث مباشرة من خلال تطبيقات رسمية ومنصات إلكترونية، إلى جانب توفيرها في مواقع متعددة داخل المسجد الحرام عبر شاشات خاصة وسماعات مخصصة للزوار الذين لا يتحدثون اللغة العربية، بما يُسهم في خلق تجربة دينية شاملة وسلسة.
ولا يُعد هذا الإنجاز الأول من نوعه للرئاسة في مجال الترجمة، فقد سبقت ذلك محاولات لترجمة بعض الدروس والخطب في المسجدين الشريفين، إلا أن الترجمة الفورية لخطبة الجمعة بهذا العدد الكبير من اللغات يُعد تحولًا نوعيًا في مضمون الخدمة وأثرها العالمي.
ويعكس هذا التوجه الجديد وعيًا متناميًا بضرورة التفاعل مع التغيرات الثقافية والديموغرافية في المجتمعات الإسلامية، إذ لم يعد الحضور في المسجد الحرام مقتصرًا على العرب، بل بات يعج بمسلمين من أكثر من 100 جنسية، الأمر الذي استوجب حلولًا مبتكرة تعزز الشمول والتنوع.
ومن جهة أخرى، أعلنت وكالة شؤون المسجد النبوي أن فضيلة الشيخ الدكتور صلاح البدير سيؤم المصلين ويخطب الجمعة في المسجد النبوي الشريف، ضمن الخطة الدعوية الموحدة التي تسير عليها الرئاسة، والتي تجمع بين الأصالة والتجديد، وتركز على رفع مستوى الوعي الديني للمصلين والزوار.
ويُنتظر أن تفتح هذه الخطوة آفاقًا جديدة أمام المؤسسات الإسلامية في العالم لتطوير أساليب الدعوة والوعظ، من خلال التخاطب بلغة يفهمها المستمع، لا سيما في ظل انتشار منصات البث الرقمية، وسهولة الوصول إلى الخطبة صوتًا وصورة، وهو ما يُمكّن المتلقي من التفاعل الكامل مع المحتوى.
وتعزز هذه المبادرة من الصورة الذهنية الإيجابية للمملكة العربية السعودية، التي تحتضن الحرمين الشريفين وتسعى إلى تطوير خدماتهما بما يتناسب مع مكانتهما الدينية العالمية، وتُبرز جهودها في إيصال الرسالة الإسلامية المعتدلة التي تدعو إلى الوحدة والرحمة ونبذ العنف والتطرف.
وفي ظل تزايد أعداد المعتمرين والزائرين، خاصة بعد انتهاء جائحة كورونا، يأتي هذا المشروع ضمن سلسلة من الخدمات المتكاملة التي أطلقتها الرئاسة لتلبية احتياجات القاصدين، ورفع جودة تجربتهم الروحية والدينية داخل الحرمين الشريفين، بما يعكس روح الضيافة والحرص على التفاصيل.
وقد لاقت المبادرة ترحيبًا واسعًا بين المسلمين في أنحاء متفرقة من العالم، حيث عبر الكثيرون عبر منصات التواصل عن امتنانهم لهذه الخطوة، التي مكّنتهم لأول مرة من فهم خطبة الجمعة مباشرة بلغتهم الأم، وهو ما عزّز من شعورهم بالانتماء والتقدير، رغم بعدهم الجغرافي عن مكة المكرمة.
ومن المتوقع أن يتواصل تطوير المشروع في الأشهر القادمة، مع إضافة المزيد من اللغات وتوسيع نطاق البث، بما يضمن شمول أكبر عدد ممكن من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وذلك وفقًا لخطة طويلة المدى تهدف إلى ترسيخ الحرمين الشريفين كمنارة للعلم والسلام العالمي.