أثار ظهور بقعة وردية لامعة في سماء مدينة جدة خلال الأيام الماضية تساؤلات كثيرة بين المواطنين ورواد مواقع التواصل، وسط تكهنات تعددت حول أسباب هذا المشهد غير المألوف الذي بدا للبعض أشبه بظاهرة خارقة أو علامة كونية استثنائية.
الصور التي تم تداولها على نطاق واسع أظهرت هالة وردية متوهجة في الأفق، وقد تم التقاطها من عدة مناطق في جدة، مما أضفى طابعًا غامضًا على الظاهرة، ودفع المهتمين للبحث عن تفسير علمي لها، في ظل غياب أي بيانات فورية من الجهات الرسمية.
وبينما تفاعل الناس مع المشهد بحالة من الدهشة والفضول، دخلت الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة في السعودية على خط التوضيح، مؤكدة أن ما تم رصده ليس ظاهرة نادرة أو خفية كما تصور البعض، بل له تفسير علمي مرتبط بطبيعة الأجواء.
الهيئة أوضحت في بيان مقتضب أن البقعة الوردية التي شوهدت فوق سماء جدة تعود إلى انعكاس ضوء الشمس على غيوم ركامية في وقت الغروب، ما يتسبب في تلوّن السماء بألوان دافئة تتراوح بين الأحمر والبرتقالي والوردي.
وبحسب ما أوضحه عدد من خبراء الأرصاد، فإن هذه الظواهر البصرية شائعة في مواسم الانتقال بين الصيف والخريف أو في أعقاب العواصف الرعدية، حيث تكون الجزيئات في الهواء قادرة على تشتيت الضوء بطريقة تخلق ألوانًا مبهرة.
وأشار الخبراء إلى أن تأثير التلوث الجوي يمكن أن يعزز من بروز هذه الألوان، إذ يعمل وجود الغبار والدخان والجزيئات الدقيقة على تعزيز انعكاس الضوء، ما يؤدي إلى تكوين مشاهد بصرية ذات طابع جمالي يلفت الأنظار.
وفي هذا السياق، رجح مختصون في علم الأرصاد أن تكون العوامل المناخية في غرب المملكة، وعلى وجه الخصوص بجدة، قد اجتمعت لتهيئة ظروف بصرية مميزة، ساهمت في بروز هذه البقعة الوردية بشكل لافت خلال الفترة الماضية.
وفيما تبادل المواطنون الصور والفيديوهات وسط تعليقات تنوعت بين الدهشة والروح المرحة، رأى بعضهم أن المشهد يرمز إلى هدوء غير معتاد يسبق تقلبًا جويًا أو موسمًا مطيرًا، فيما اتخذ آخرون من الظاهرة فرصة للتأمل في جمال الطبيعة.
وسارعت حسابات مهتمة بالفلك والطقس لتفسير الظاهرة بوسائل مبسطة، مشيرة إلى أن ظواهر الانعكاس والتشتت الضوئي ترتبط بموقع الشمس في السماء وزاوية السقوط على الغيوم، وهو ما يجعل بعض الغروب يبدو أكثر شاعرية من غيره.
ورغم التفسيرات العلمية التي قُدمت، استمرت حالة التفاعل الشعبي على مواقع التواصل، خاصة في "إكس" تويتر سابقًا ، حيث تصدر وسم "بقعة وردية في جدة" قائمة الترند في السعودية لساعات طويلة، مصحوبًا بمئات المنشورات.
وتحوّلت الظاهرة إلى فرصة لإبراز اهتمام السعوديين بعلم الطقس والظواهر الطبيعية، لا سيما مع تصاعد الثقافة العلمية والمجتمعية في البلاد، في ظل انفتاح إعلامي وتوعوي يشجع على المعرفة بدلاً من التفسير الغيبي للأحداث.
اللافت في المشهد أن بعض الفنانين والمصورين سارعوا إلى توثيق اللحظة عبر عدساتهم، ما أفرز محتوى بصريًا مميزًا انتشر على نطاق واسع، وعكس جماليات المشهد الطبيعي عندما تتداخل عناصر الضوء والسحب والرطوبة في إطار واحد.
ويبدو أن توقيت الظاهرة لعب دورًا في تعزيز حضورها الذهني، إذ تزامن ظهورها مع إجازات نهاية الأسبوع، ما أتاح لعدد كبير من السكان فرصة مشاهدتها من مواقع مختلفة، وتوثيقها ونشرها في ذات اللحظة، مما ساهم في سرعة انتشارها.
وتعكس هذه الحادثة اهتمامًا متزايدًا من الجمهور السعودي بالظواهر الجوية، في ظل تطور أدوات الرصد والتواصل، حيث لم يعد انتظار بيان رسمي شرطًا لفهم المشهد، بل أصبح الجمهور شريكًا في المراقبة والتحليل والنقاش العام.
وبينما غابت التكهنات الخارقة التي عادةً ما تصاحب مثل هذه الظواهر في السابق، ظهرت مكانها نقاشات علمية مستفيضة، تعكس تغيرًا في نمط التلقي والوعي، وتعزز من حضور الثقافة العلمية في الخطاب العام السعودي المعاصر.
وتبقى البقعة الوردية التي أضاءت سماء جدة، مثالًا على قدرة الطبيعة على إدهاشنا بجمالها البسيط والمركب في آنٍ واحد، وتذكيرًا بأهمية العلم في فك طلاسم ما نراه، دون أن يقلل ذلك من سحر اللحظة أو دهشة المشهد.