في خطوة تشير إلى تعميق العلاقات بين المملكة العربية السعودية وروسيا، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن اتفاقية إلغاء التأشيرات بين البلدين باتت في مراحلها النهائية، ما يمهد الطريق لتوسيع التعاون السياحي والثقافي والتجاري بين موسكو والرياض في المستقبل القريب.
وقد جاء الإعلان في مؤتمر صحفي مشترك عقده لافروف مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في العاصمة الروسية موسكو، حيث ناقش الطرفان مجموعة من الملفات الإقليمية والدولية، وأكدا التزامهما بضرورة معالجة التوترات في المنطقة عبر الحوار والدبلوماسية وليس من خلال القوة أو المواجهات العسكرية.
وتأتي هذه الخطوة في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط حالة من الغليان السياسي والأمني، وسط استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتزايد المخاوف من عودة التصعيد في الملف النووي الإيراني، وهي تطورات دفعت الطرفين إلى التأكيد مجددًا على أهمية دعم الاستقرار عبر مسارات تفاوضية شاملة.
وأكد الأمير فيصل بن فرحان أن بلاده تعتبر تعزيز الحوار البناء والنهج الدبلوماسي السبيل الأنجح لتجاوز أزمات المنطقة، مشددًا على أن استخدام القوة لحل الخلافات السياسية خيار مرفوض من حيث المبدأ، سواء في الشرق الأوسط أو في أي منطقة أخرى من العالم.
وشدد الوزير السعودي على أهمية إيجاد تسوية شاملة للقضية الفلسطينية، داعيًا إلى وقف دائم وفوري ومستدام لإطلاق النار في قطاع غزة، تمهيدًا لبدء خطوات جادة نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، وهو الموقف الذي لاقى دعمًا واضحًا من نظيره الروسي.
ومن جهته، أبدى لافروف تأييد بلاده الكامل لإقامة الدولة الفلسطينية، وأشاد بالتعاون السعودي الروسي في هذا الملف، مؤكدًا أن موسكو تواصل تشجيع الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، للعودة إلى طاولة المفاوضات من أجل الوصول إلى حل عادل ودائم.
وأوضح الوزير الروسي أن بلاده تأمل بأن تتحلى إيران ودول الخليج بالحكمة الكافية لتجنب التصعيد وعودة التوتر في المنطقة، مشيرًا إلى أهمية الحفاظ على الهدنة السائدة حاليًا، ومؤكدًا أن روسيا تتابع تطورات العلاقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية عن كثب.
وأكد الوزيران أن الطريق الوحيد نحو استقرار دائم في الشرق الأوسط يمر عبر تغليب لغة الحوار، ورفض منطق العنف، والتعاون في مواجهة التحديات الإنسانية والاقتصادية التي خلفتها النزاعات، لا سيما في الأراضي الفلسطينية.
كما أشار الأمير فيصل بن فرحان إلى أن السعودية تجري مشاورات مع الجانب الفرنسي لتحديد موعد لعقد مؤتمر دولي جديد يهدف إلى وضع أسس متينة لإقامة الدولة الفلسطينية، مجددًا رفض بلاده لتأجيل الحلول السياسية لما وصفه بأنه «وقت قد يكون أصعب من اليوم».
وفيما يتعلق بالملف الإيراني، شدد الوزير السعودي على ضرورة التعامل مع البرنامج النووي الإيراني وفق منهج دبلوماسي محض، معربًا عن رفضه التام لأي تدخلات عسكرية أو تصعيد غير محسوب من أي طرف كان، وهو ما يتفق مع الرؤية الروسية الرامية إلى خفض التوتر وإعادة الثقة بين الأطراف المعنية.
واعتبر المراقبون أن تصريحات الوزيرين تعكس تقاربًا لافتًا في وجهات النظر حيال أبرز قضايا المنطقة، خصوصًا ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والملف النووي الإيراني، حيث تبرز موسكو والرياض كطرفين مؤثرين قادرين على المساهمة في صياغة تسويات سياسية محتملة.
وفي جانب العلاقات الثنائية، لقي إعلان قرب توقيع اتفاقية إلغاء التأشيرات ترحيبًا واسعًا في الأوساط الاقتصادية والسياحية، إذ من المتوقع أن يؤدي هذا الإجراء إلى زيادة حركة السفر والتبادل التجاري بين البلدين، خصوصًا مع الاهتمام المتزايد من قبل المواطنين الروس والسعوديين بزيارة البلدين لأغراض سياحية واستثمارية.
ويُنظر إلى هذه الخطوة بوصفها تتويجًا لعدة سنوات من التقارب السعودي الروسي، شهدت توقيع عدد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة، والصناعة، والثقافة، وكذلك تنسيقًا سياسيًا متصاعدًا داخل أروقة المنظمات الدولية.
ومن المرجح أن يسهم هذا التقارب في بناء شراكات استراتيجية طويلة الأمد، لاسيما أن السعودية وروسيا تجمعهما مصالح مشتركة داخل مجموعة أوبك بلس، حيث يلعبان دورًا محوريًا في إدارة أسواق الطاقة العالمية وضبط توازنات الإنتاج.
وفي الوقت الذي تتجه فيه السياسة الدولية نحو تعددية الأقطاب، يبدو أن الرياض وموسكو تسعيان لترسيخ حضور مشترك يقوم على احترام السيادة، وتبادل المصالح، والحوار المفتوح، وهو ما اتضح في لغة التصريحات المتبادلة خلال المؤتمر الصحفي.
كما تعكس هذه التطورات رغبة السعودية في تنويع علاقاتها الخارجية وتوسيع دائرة الشراكات الدبلوماسية والاقتصادية، وهو توجه يتماشى مع رؤية المملكة 2030 التي تسعى إلى الانفتاح على الأسواق العالمية، وتطوير السياحة، وتبادل الثقافات، دون الاعتماد الكامل على محور دولي واحد.
وتكتسب خطوة إلغاء التأشيرات أهمية إضافية كونها تأتي في ظل استمرار التوترات العالمية، ما يمنح السعوديين والروس فرصة أكبر لتعزيز التواصل المباشر، بعيدًا عن المعوقات البيروقراطية المعتادة، ما يمهد الطريق لعلاقات أكثر ديناميكية بين الشعبين.
ويرى مراقبون أن هذا النوع من التفاهمات الثنائية لا يُنظر إليه فقط من منظور سياحي، بل يعد جزءًا من استراتيجية دبلوماسية متقدمة تهدف إلى تحقيق توازن في العلاقات الدولية، وتعزيز الحضور السعودي والروسي في الملفات الساخنة التي تشغل الساحة الدولية اليوم.