تتجه شركة أرامكو السعودية، أكبر منتج للنفط في العالم، نحو تنفيذ خطوة استراتيجية جديدة قد تغير معالم قطاع الطاقة داخل المملكة، حيث تدرس الشركة بيع ما يصل إلى خمس محطات لتوليد الكهرباء تعمل بالغاز، في إطار خطة تهدف إلى جمع مليارات الدولارات من خلال إعادة هيكلة بعض أصولها.
ويأتي هذا التوجه في وقت تشهد فيه السعودية ضغوطًا اقتصادية متزايدة، ناتجة عن تراجع أسعار النفط عالميًا، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على إيرادات أرامكو، ودفع الحكومة إلى حث الشركة على تعظيم أرباحها وتوسيع نطاق مدفوعاتها لصالح خزينة الدولة التي تعتمد عليها بشكل رئيسي.
وبحسب ما نقلته مصادر مطلعة، فإن المحطات المزمع بيعها تُستخدم حاليًا في تغذية معامل التكرير والمصافي بالطاقة، وتشير التقديرات الأولية إلى أن الصفقة، في حال تمت، قد تدر على الشركة ما لا يقل عن أربعة مليارات دولار، وهو مبلغ يُعدّ حيويًا في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.
وتمتلك أرامكو حاليًا نحو 18 محطة لتوليد الكهرباء تعمل إما بشكل مباشر أو من خلال شراكات جزئية، وتُعدّ هذه المحطات عنصرًا مهمًا في شبكة التشغيل الصناعي، إذ تعتمد عليها الشركة بشكل أساسي لتوفير الطاقة اللازمة للعمليات المعقدة في معامل الغاز ومصافي التكرير المنتشرة في المملكة.
ورغم أهمية هذه المحطات من الناحية التشغيلية، فإن خطة البيع تأتي ضمن رؤية أشمل تهدف إلى تحسين الكفاءة التشغيلية وخفض التكاليف، وهي أهداف باتت ملحة مع تقلص عائدات النفط، ومحاولة المملكة تقليص العجز المالي الذي تجاوز 30 مليار دولار في ميزانية 2024.
وتدرس أرامكو أيضًا بيع أصول غير تشغيلية أخرى مثل المجمعات السكنية للعاملين، وخطوط الأنابيب، وحتى البنية التحتية لبعض الموانئ، وهي أصول لا تمس جوهر العمليات النفطية، لكنها تُعد قابلة للتسييل في ظل توجه الدولة لجمع سيولة إضافية لتمويل مشروعاتها المستقبلية.
وتأتي هذه التحركات المالية بينما تتجه أرامكو إلى خفض توزيعات أرباحها بنحو الثلث خلال العام الحالي، في محاولة للتكيف مع تراجع الأرباح الصافية الذي فرضه انخفاض أسعار النفط، وذلك رغم تحقيقها أرباحًا تاريخية بلغت 199 مليار دولار في العام الماضي.
وتملك الحكومة السعودية 81.5% من أسهم أرامكو بشكل مباشر، وهو ما يجعل توزيعات الأرباح أحد الموارد المالية الأساسية التي تغذي خزينة الدولة، ويعزز من قدرة الحكومة على تمويل مشاريعها الطموحة ضمن رؤية المملكة 2030، التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وتسعى السعودية إلى تنويع اقتصادها بعيدًا عن الاعتماد شبه الكامل على النفط، حيث أطلقت خلال السنوات الأخيرة سلسلة مشاريع ضخمة مثل نيوم، ومشروعات البنية التحتية السياحية، والرياضية، وأخرى مرتبطة باستضافة فعاليات عالمية مثل "إكسبو 2030" وكأس العالم لكرة القدم 2034.
وفي هذا السياق، باعت المملكة في مايو الماضي سندات بقيمة خمسة مليارات دولار، مما يعكس الحاجة المستمرة إلى سيولة مالية تغطي متطلبات الإنفاق المرتفع على المشاريع التنموية، وتقلل من الاعتماد على العائدات النفطية التي تتسم بعدم الاستقرار.
ولم تصدر أرامكو حتى الآن بيانًا رسميًا بشأن صفقة بيع محطات الطاقة أو الجدول الزمني لتنفيذها، لكن مصادر من داخل القطاع رجحت أن تكون شركات المرافق السعودية، خصوصًا تلك المتخصصة في الطاقة والصيانة، من أبرز المهتمين بالحصول على هذه الأصول الحيوية.
ويُنتظر أن تثير هذه الخطوة اهتمامًا كبيرًا في الأوساط الاستثمارية، خاصة في ظل توجه المملكة نحو خصخصة عدد من القطاعات الحيوية، وفتح المجال أمام القطاع الخاص للمشاركة في إدارة الأصول العامة، بما يحقق كفاءة أكبر ويخفف العبء عن الدولة.
وبينما تبني أرامكو خططها المستقبلية على أسس تجارية صلبة، تعمل في الوقت ذاته على توسيع إنتاجها من الغاز، إذ من المنتظر أن يدخل معمل تناجيب الجديد الخدمة قريبًا، وهو أحد المشاريع التي تعول عليها الشركة لتأمين مصادر طاقة مستدامة للعمليات الصناعية.
ويرى مراقبون أن بيع محطات توليد الكهرباء لا يعني تخليًا عن السيطرة التشغيلية الكاملة، بل قد يتم ضمن صيغ تضمن لأرامكو الاحتفاظ بحقوق الإدارة أو الشراكة، بما لا يؤثر على استقرار التزويد بالطاقة في مواقعها الصناعية المنتشرة في أرجاء المملكة.
وتعكس هذه التطورات تحوّلًا في استراتيجية أرامكو، التي لم تعد تكتفي بدورها كمصدر للنفط الخام، بل باتت تتعامل كشركة طاقة متكاملة تسعى لتعظيم العائد من كل أصل تملكه، سواء في الطاقة أو الخدمات المساندة، ما يعكس نضجًا في الإدارة المالية والتجارية.
وتبقى الأسابيع المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كانت أرامكو ستُقدم على تنفيذ خطة البيع بشكل رسمي، خصوصًا في ظل المتغيرات المتسارعة في أسعار النفط، والتطورات الجيوسياسية التي قد تعيد رسم خريطة الطلب العالمي على الطاقة.
ومع استمرار الحكومة في دفع عجلة الإصلاح الاقتصادي، فإن بيع أصول أرامكو غير الأساسية قد يكون أحد الأدوات التي تلجأ إليها المملكة لتأمين تمويل كافٍ لمواصلة مشروعاتها الكبرى، دون التأثير على أولويات النمو أو الطموحات التنموية.