في وقتٍ تتجه فيه الأنظار إلى الوجهات الداخلية مع ارتفاع درجات الحرارة في أغلب مناطق المملكة، يبرز شهر أغسطس كنافذة من الانتعاش الطبيعي في الجنوب السعودي، وتحديدًا في مناطق عسير والباحة ومرتفعات جازان، حيث تكشف السجلات المناخية عن أفضلية هذا الشهر مقارنة ببقية أشهر الصيف، وفقًا لما أوضحه أستاذ المناخ بجامعة القصيم سابقًا، الدكتور عبدالله المسند.
وأشار المسند إلى أن أغسطس يتمتع بخصوصية مناخية فريدة في المرتفعات الجنوبية الغربية، إذ تمتاز هذه الفترة بأجواء معتدلة ومنعشة، بعيدة عن موجات الحر اللاهبة التي تضرب المناطق الداخلية والساحلية، وتدعم هذه الأفضلية معطيات مناخية موثقة عبر سنوات طويلة من الرصد.
وتُعد نسبة الأيام المطيرة التي تحظى بها هذه المناطق خلال أغسطس من أبرز الأسباب وراء تفضيله، إذ تصل نسبة الهطول المطري خلال هذا الشهر إلى ما يقارب 40% من إجمالي عدد الأيام الممطرة على مدار السنة، ما يمنح الزائر فرصة كبيرة للاستمتاع بأجواء ضبابية وباردة نسبيًا في قلب فصل الصيف.
ولا تقف أهمية هذه الأمطار عند حدود الاعتدال الحراري، بل تلعب دورًا جوهريًا في رسم المشهد الطبيعي للمنطقة، حيث تتزين المرتفعات بالأغطية النباتية الكثيفة، وتتفجر الشلالات الموسمية بين سفوح الجبال، لتتحول المنطقة إلى لوحات خضراء نابضة بالحياة.
وأكد المسند أن أغسطس يُعد ثاني أشهر السنة من حيث كمية الأمطار بعد أشهر الربيع، مثل مارس وأبريل ومايو، ما يفتح آفاقًا واسعة أمام السياحة البيئية والعائلية في هذه المناطق التي تجمع بين الطقس المعتدل والمناظر الطبيعية الخلابة.
وتُعرف عسير والباحة وجازان بتضاريسها المتنوعة التي تشمل الجبال الشاهقة والأودية الهادئة، وهذه السمات الجغرافية تتفاعل مع الأمطار الصيفية لتخلق طقسًا نادرًا في شبه الجزيرة العربية، إذ تتراوح درجات الحرارة في بعض القمم المرتفعة بين 18 و24 درجة مئوية، وهي درجات غير مألوفة صيفًا في معظم أنحاء المملكة.
ويعود الفضل في هذا التمايز المناخي إلى موقع هذه المناطق الجغرافي وارتفاعها الكبير عن سطح البحر، ما يجعلها أكثر عرضة لتشكل السحب الركامية الممطرة القادمة من بحر العرب، خاصة خلال شهري يوليو وأغسطس، حينما تنشط الرياح الرطبة الموسمية.
وتعد هذه التوصيات التي أشار إليها المسند بمثابة دليل مهم للمهتمين بالسياحة الداخلية، حيث يمكن للأسر السعودية والمقيمين التخطيط لرحلاتهم الصيفية بعيدًا عن الحرارة الشديدة، واستبدالها بأجواء لطيفة تسود القمم الجبلية والأودية في عسير والباحة وجازان.
ومع توجه المملكة نحو تعزيز السياحة المحلية ضمن رؤية السعودية 2030، فإن هذه البيانات المناخية تشكل عاملًا محفزًا لتطوير البنية التحتية السياحية في الجنوب، واستقطاب الزوار الباحثين عن بيئة طبيعية مختلفة ومناخ صيفي استثنائي.
ويشهد شهر أغسطس أيضًا إقامة العديد من الفعاليات السياحية والثقافية في هذه المناطق، مما يمنح الزائر تجربة متكاملة تشمل الطقس، والمناظر، والتراث الشعبي، والمأكولات المحلية، وهو ما يعزز من مكانة هذه الوجهات كمحطات مفضلة خلال عطلة الصيف.
وقد أظهرت السنوات الأخيرة اهتمامًا متزايدًا من السعوديين والمقيمين بهذه المناطق، خاصة مع تراجع السفر الخارجي خلال فصول الصيف الحارة، وهو ما أوجد نمطًا جديدًا من السياحة المحلية المرتبطة بالمناخ والبيئة والجبال.
ولا يمكن إغفال أن وجود المطارات الإقليمية والبنية التحتية الجيدة في هذه المناطق، مثل مطاري أبها وجازان، يسهم في تسهيل الوصول إليها، ويجعل من تجربة السفر الداخلية خيارًا سهلاً ومريحًا أمام العائلات والأفراد على حد سواء.
ومع استمرار الاهتمام بالطقس والبيئة ضمن أجندة التوعية المجتمعية، فإن تصريحات خبراء المناخ مثل الدكتور عبدالله المسند تكتسب أهمية كبيرة، لأنها تقدم توصيات مدعومة ببيانات دقيقة، وتساعد في اتخاذ قرارات مبنية على أسس علمية تتعلق بالتنقل والسياحة والترفيه.
وفي ظل التغيرات المناخية العالمية التي تعيد تشكيل خرائط الطقس والحرارة في مختلف المناطق، تبقى المرتفعات الجنوبية السعودية محافظة على خصوصيتها كمناطق جاذبة، مما يعزز من دورها كمقصد طبيعي مستدام يمكن الاستثمار فيه طويل الأجل.
وتعد الأشهر المقبلة فرصة مناسبة لتكثيف الجهود السياحية والإعلامية للترويج لهذه الوجهات، خاصة في ظل المعلومات المناخية التي تؤكد تميزها، مما يُمكن أن يُسهم في دعم الاقتصاد المحلي وتنشيط قطاعات الضيافة والتجزئة والخدمات في المناطق الجنوبية.
وفي ختام تصريحاته، شدد الدكتور المسند على أهمية استغلال الأوقات المناسبة من العام لزيارة مناطق المملكة المختلفة، وفقًا للبيئة المناخية التي تميز كل منطقة، مؤكدًا أن التوقيت الصحيح للزيارة يعزز من جودة الرحلة ويُقلل من آثار الإجهاد الحراري المعتاد في فصل الصيف.