كشفت الجمعية الفلكية بجدة أن يوم الأربعاء القادم سيكون أقصر من المعتاد بفارق زمني دقيق لا يتجاوز 1.30 ملّي ثانية مقارنة بالمدة المعروفة لليوم الأرضي والتي تبلغ 24 ساعة كاملة وهذا التغير وإن كان صغيرًا إلا أنه يحمل دلالات علمية مثيرة للمتخصصين.
ويُعد هذا النقص الطفيف جزءًا من ظاهرة طبيعية ترتبط بتقلبات حركة دوران الأرض حول محورها وهي ظاهرة لا يشعر بها البشر في حياتهم اليومية لكنها تسجل بدقة من خلال أدوات الرصد الذري والأقمار الصناعية المتخصصة في تتبع الزمن والحركة.
السبب وراء هذا التغير يعود إلى تذبذبات غير منتظمة تحدث في باطن الأرض تشمل تفاعلات بين اللب الداخلي والوشاح الأرضي بالإضافة إلى التأثيرات الخارجية الناتجة عن الجاذبية الشمسية والقمرية التي تُحدث اهتزازات طفيفة في دوران الكوكب.
هذه الظواهر تندرج ضمن ما يُعرف بالتغيرات اللحظية في سرعة دوران الأرض وهي تغيّرات تحدث على نطاق زمني قصير ولا تشير إلى تغير دائم أو مستمر لكنها كافية لإحداث اختلاف بسيط في طول اليوم عند قياسه بدقة عالية.
من المعروف أن اليوم الأرضي يتكون من 86400 ثانية لكن الحسابات الذرية الدقيقة أظهرت أن طول اليوم قد يتغير من وقت لآخر بفعل عوامل متعددة منها الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين وتحولات الغلاف الجوي وحركة الرياح العنيفة.
وفي السنوات الأخيرة لاحظ العلماء أن متوسط طول اليوم بدأ يتغير بوتيرة أسرع مما كان متوقعًا وهو ما دفع العديد من المراصد حول العالم إلى تكثيف الأبحاث لمراقبة هذه الظاهرة وفهم علاقتها بالتغيرات الجيوفيزيائية العميقة.
العام الماضي شهد تسجيل أقصر يوم في التاريخ الحديث عندما نقصت مدة اليوم بنحو 1.59 ملّي ثانية وهو ما أثار دهشة الأوساط العلمية وفتح باب النقاش مجددًا حول ما إذا كانت الأرض بصدد مرحلة جديدة من التسارع الزمني.
ويؤكد الخبراء أن مثل هذه التغيرات الطفيفة لا تؤثر على الحياة اليومية للبشر لكنها مهمة للغاية بالنسبة لتقنيات تعتمد على التوقيت الدقيق مثل أنظمة الملاحة عبر الأقمار الصناعية والاتصالات الرقمية وشبكات الطاقة.
لذلك فإن مراقبة هذه التحولات أصبحت ضرورية لضبط الزمن العالمي وتحديث التوقيت الذري المستخدم في تنظيم الأنشطة التكنولوجية الحيوية التي تتطلب دقة تصل لأجزاء من الثانية في التنسيق والتنفيذ.
وفي حال استمرت هذه الاتجاهات قد يُضطر العلماء مستقبلًا إلى اتخاذ قرارات مثل تعديل الساعة الذرية بإضافة أو حذف "ثوانٍ كبيسة" وهو أمر يُنفذ أحيانًا للحفاظ على التوازن بين التوقيت العالمي ودوران الأرض الفعلي.
الجمعية الفلكية بجدة أوضحت أن هذه التغيرات لا تمثل خطرًا لكنها تذكير بأن كوكب الأرض ليس ثابتًا كما يظن البعض بل هو كيان حي يتغير باستمرار تحت تأثير قوى داخلية وخارجية تتفاعل في نمط دقيق لا يُرى بالعين المجردة.
التغير في طول اليوم لا يعني أن الساعات ستُضبط من جديد أو أن الإنسان سيشعر باختلاف في نشاطه اليومي لأن هذه الفروقات لا تتجاوز أجزاء من الثانية لكنها تكتسب أهميتها من جانبها العلمي البحت.
ويشير علماء الفلك إلى أن الأرض ومنذ تشكّلها لم تكن تدور بسرعة ثابتة بل كانت مدة اليوم أقصر بكثير في الماضي ومع مرور العصور بدأت تبطئ تدريجيًا بفعل تأثير القمر وقوى المد والجزر التي تسحب جزءًا من طاقتها الحركية.
ومع التقدم التكنولوجي الحالي أصبحت هذه التغيرات تُرصد بدقة غير مسبوقة ما يفتح آفاقًا جديدة لفهم العلاقة بين حركة الأرض الداخلية وسلوكها الخارجي الذي يُترجم في النهاية إلى تغير طفيف في طول اليوم الزمني.
وإذا كانت هذه التغيّرات لا تُقلق البشر الآن فهي بالتأكيد تشكل جزءًا من لوحة كونية واسعة تُظهر أن الزمن ليس شيئًا جامدًا بل ظاهرة ديناميكية تتأثر بكل ما يحدث داخل وخارج الكوكب الذي نسكنه.