المركز الوطني للأرصاد.
قرار مفاجئ يُحدث تغييرًا واسعًا في قطاع حساس بالمملكة .. قرارات تعلن لأول مرة
كتب بواسطة: سعد احمد |

في خطوة تعكس سعي المملكة المتواصل لتعزيز حوكمة القطاعات الحيوية، أعلن المركز الوطني للأرصاد عن إطلاق تصاريح واشتراطات تسع خدمات أرصادية جديدة، ليصبح إجمالي عدد الخدمات المصرح بها حتى الآن أربع عشرة خدمة، تشمل الأفراد والمؤسسات، في توجه تنظيمي يتماشى مع متطلبات نظام الأرصاد الذي دخل حيز التنفيذ بهدف ضبط قطاع الأرصاد وضمان جودة وموثوقية خدماته.

ويأتي هذا الإعلان امتدادًا لجهود المركز في رفع كفاءة الأداء المهني، وتعزيز التنظيم المؤسسي للأنشطة المرتبطة بالأرصاد الجوية، خاصة في ظل تزايد الاعتماد على المعلومات المناخية في مجالات متعددة، تشمل الطيران والملاحة والزراعة والإنذار المبكر، مما يجعل من الضروري إحكام الرقابة وتحديد المعايير التنظيمية بوضوح.

وتضمنت الخدمات الجديدة المعتمدة تصاريح مهنية متقدمة، مثل كبير راصدين، وكبير متنبئين، إضافة إلى فني صيانة ومشرف أعمال صيانة، وهي مسميات تعكس ارتفاع مستوى التخصص في القطاع، وتوسع المركز في تنظيم الأدوار الفنية والإشرافية، بما يتماشى مع المعايير الدولية الحديثة في إدارة الخدمات المناخية.

كما أدرج المركز ضمن الخدمات المعلنة تصاريح موجهة للكوادر الميدانية مثل متنبئ وراصد متقدم، في خطوة تهدف إلى رفع كفاءة الموارد البشرية العاملة في المجال، وتحديد الأطر المهنية التي تحكم مسؤولياتهم، خصوصًا في ظل تزايد التحديات المناخية على المستوى الإقليمي والدولي.

ولم تقتصر التصاريح على الأفراد، بل شملت كيانات ومؤسسات، من بينها المؤسسات غير الربحية، ونشر واستغلال بيانات الأرصاد، ومحطة أرصاد تحت الإنشاء، وأعمال التركيب والصيانة، إضافة إلى محطة أرصاد قائمة، وإدارة وتشغيل محطات أرصادية، مما يعكس توجه المركز نحو شمولية التنظيم، وتوسيع مظلة التراخيص لتشمل كافة الجهات المتعاملة مع البيانات المناخية.

وأوضح المركز الوطني للأرصاد أن نظام الأرصاد يُلزم جميع الأفراد والجهات التي تزاول أنشطة أرصادية، أو تنشر معلومات مناخية، بالامتثال الصارم للاشتراطات والمعايير التي تضمن سلامة المعلومات، وتوفر مستوى عالٍ من الموثوقية والشفافية في تقديم الخدمات، وهو ما يشكل تحولًا محوريًا في إدارة قطاع حيوي لطالما كان مفتوحًا دون تنظيم واضح.

ويشترط النظام على مقدمي الخدمات ضرورة الحصول على التراخيص أو التصاريح اللازمة، أو كليهما حسب نوع النشاط، قبل الشروع في تقديم أي خدمات أو نشر بيانات أرصادية، سواء عبر المنصات الإلكترونية أو الوسائل التقليدية، في إطار تنظيم صارم يهدف إلى حماية البيانات وحفظ حقوق المستخدمين.

ويعمل هذا التنظيم الجديد على تصنيف الخدمات المناخية بشكل دقيق، وربط كل خدمة بمتطلباتها النظامية، مما يسهل على الجهات المعنية الامتثال للتعليمات، كما يعزز من شفافية القطاع ويحد من الممارسات غير المهنية أو العشوائية في التعامل مع المعلومات الحساسة ذات التأثير المباشر على السلامة العامة.

ويُتوقع أن يسهم إطلاق هذه التصاريح في دعم مبادرات الأمن البيئي وإدارة المخاطر، من خلال تهيئة مناخ عمل منظم للمختصين والجهات العاملة في الرصد والتنبؤ والتشغيل الفني، مما يعود بالنفع على مختلف القطاعات الحكومية والخاصة التي تعتمد على بيانات دقيقة لاتخاذ قرارات استراتيجية.

ويأتي هذا التحرك في وقت تشهد فيه المملكة توسعًا ملحوظًا في مشاريع البنية التحتية والمجالات اللوجستية، والتي تتطلب جميعها خدمات أرصادية دقيقة ومحدثة، مما يعزز أهمية أن تكون هذه الخدمات مرخصة ومقدمة من جهات معتمدة وملتزمة بالضوابط النظامية.

كما يسهم النظام الجديد في تعزيز الاستثمار في القطاع من خلال فتح المجال أمام القطاع الخاص والمؤسسات غير الربحية للمشاركة وفق إطار تنظيمي واضح، مما يدفع نحو تنمية سوق خدمات الأرصاد، ورفع مستوى التنافسية والكفاءة في تقديم البيانات والتحليلات المناخية.

ويدعم هذا التوجه أيضًا حماية الأمن المعلوماتي، إذ أن تنظيم نشر واستغلال بيانات الأرصاد يضع ضوابط دقيقة لتداول المعلومات، ويمنع التلاعب بها أو استخدامها في سياقات قد تُحدث بلبلة أو تؤدي إلى قرارات خاطئة، خاصة في الحالات الحرجة مثل الكوارث الطبيعية أو الأزمات البيئية.

ويُعتبر هذا التوسع في التصاريح خطوة مهمة ضمن خارطة طريق المركز الوطني للأرصاد في مواكبة التحولات التقنية والتنظيمية العالمية، حيث ينسجم مع ممارسات العديد من الدول المتقدمة التي تطبق نظام تراخيص صارم على جميع الجهات التي تتعامل مع البيانات المناخية.

كما تعزز هذه الإجراءات مصداقية المركز الوطني للأرصاد كمصدر رسمي للمعلومات المناخية، وتمنحه القدرة على مراقبة أداء الجهات المرخصة، والتأكد من جودة البيانات المنشورة أو الخدمات المقدمة، في ظل زيادة الاهتمام العالمي بمكافحة التغير المناخي وتحسين الاستجابة للأحوال الجوية المتقلبة.

وتأتي هذه المبادرة ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030 في بناء بيئة تشريعية متطورة، وتحسين جودة الحياة من خلال حماية المجتمع من المخاطر المناخية، ودعم التخطيط المبني على بيانات دقيقة وحديثة يمكن الوثوق بها من قبل الأفراد والمؤسسات على حد سواء.

ويعد تنظيم خدمات الأرصاد واحدًا من اللبنات الأساسية التي تسهم في تحسين جاهزية المملكة في مواجهة التحديات البيئية، من خلال إعداد كوادر مؤهلة، وتفعيل أدوار الجهات الحكومية والخاصة في دعم منظومة الإنذار المبكر، والمساهمة في تقليل الخسائر البشرية والاقتصادية الناتجة عن الظواهر الجوية الحادة.

وتشير هذه التطورات إلى نية المركز الوطني للأرصاد في الاستمرار بمسار التحديث والتطوير، وإعادة هيكلة القطاع بطريقة احترافية، تفتح المجال للابتكار، وتحفّز الاستثمار، وتضمن في الوقت ذاته سلامة المجتمع وجودة البيانات المنشورة.