في خطوة لافتة تعكس التوجه الوطني نحو تطوير رأس المال البشري وربط مخرجات التعليم باحتياجات السوق الفعلية، أعلنت الكلية التطبيقية بجامعة جدة عن إطلاق مجموعة جديدة من برامج الدبلوم النوعية، والتي تُقدم مجانًا بالكامل للمواطنين والمواطنات، وذلك ضمن مبادرة استراتيجية تهدف إلى تعزيز التخصصات التقنية والعملية التي تخدم رؤية المملكة 2030 وتُسهم في خلق فرص عمل مستدامة.
ويأتي هذا الإعلان في سياق سعي المؤسسات الأكاديمية السعودية إلى تفعيل دورها التنموي، من خلال توفير تعليم تطبيقي متكامل ومواكب للتطورات التقنية، حيث تسعى الكلية التطبيقية بجامعة جدة إلى بناء جيل مؤهل يمتلك المهارات المطلوبة في القطاعات الناشئة، لا سيما مجالات النقل، والسياحة، والتصنيع، وإدارة الموارد.
ومن بين البرامج المعلنة، يبرز تخصص تقنيات ولوجستيات النقل البحري كأحد البرامج النوعية التي تتماشى مع توجه المملكة للتحول إلى مركز لوجستي عالمي، إذ يرتبط هذا المجال ارتباطًا وثيقًا برؤية 2030 التي تسعى إلى تعظيم الاستفادة من الموقع الجغرافي الاستراتيجي للسعودية كممر حيوي للتجارة العالمية.
كما أعلنت الكلية عن طرح برنامج دبلوم في سلاسل الإمداد، وهو مجال بالغ الأهمية في ظل التغيرات العالمية التي أثرت على حركة التوريد والإمداد، حيث يشهد هذا التخصص اهتمامًا متزايدًا من قبل الشركات والمؤسسات التي تبحث عن كفاءات وطنية قادرة على إدارة العمليات بكفاءة واحترافية.
وفي قطاع السياحة والضيافة، أطلقت الكلية دبلومات متخصصة في الفندقة والسفر، وذلك تماشيًا مع الطفرة التي يشهدها هذا القطاع الحيوي، خصوصًا بعد فتح أبواب المملكة للسياحة الدولية، وارتفاع أعداد الزوار بشكل غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة، مما خلق فرصًا واسعة لتوظيف الكوادر المؤهلة.
ولم تغفل الكلية الجانب البيئي والتقني، حيث طرحت برنامجًا لتعليم أساسيات التدوير، بهدف ترسيخ مفاهيم الاستدامة البيئية ونشر ثقافة إعادة الاستخدام بين الطلاب، كما وفرت دبلومًا في الطباعة ثلاثية الأبعاد، وهو تخصص ينتمي إلى الصناعات المستقبلية ويُعد بوابة نحو عالم التصنيع الذكي والتصميم المتقدم.
وبحسب ما أعلنته الدكتورة نورة الشهري، الرئيس التنفيذي للكلية التطبيقية بجامعة جدة، فإن جميع البرامج المطروحة مجانية بالكامل، مشيرة إلى أن المسجلين سيحصلون على مكافأة شهرية طوال فترة دراستهم، في خطوة تعكس حرص الجامعة على دعم الطلاب ماديًا ومعنويًا وتشجيعهم على مواصلة التعلم والتخصص في مجالات تخدم مستقبلهم المهني.
وأكدت الشهري أن هذه المبادرة تمثل نموذجًا وطنيًا للتعليم التطبيقي المجاني، مشددة على أن البرامج صُممت بعناية لتلبية متطلبات سوق العمل في القطاعين العام والخاص، مع التركيز على التخصصات التي تسجل نموًا مرتفعًا من حيث الطلب على الكفاءات المدربة والمهارات الحديثة.
وتُعد الكلية التطبيقية من بين المؤسسات التعليمية الرائدة في المملكة التي تنتهج مسار التعليم التطبيقي كوسيلة لإعداد الشباب لسوق العمل مباشرة، وهو توجه أثبت فعاليته في الدول المتقدمة التي تعتمد على التعليم المهني كأساس لنهضتها الصناعية والتكنولوجية.
ويرى متخصصون في شؤون التعليم أن هذه الخطوة تحمل بُعدًا استراتيجيًا، كونها تدمج بين التعليم المجاني، والدعم المالي، والتخصصات الدقيقة التي تنتمي لقطاعات حيوية، مما يعزز فرص الخريجين في إيجاد وظائف تتناسب مع مهاراتهم مباشرة دون الحاجة لفترات تدريب طويلة بعد التخرج.
ويعكس اختيار تخصصات مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد والنقل البحري وقطاع السياحة توجهًا مدروسًا نحو القطاعات التي ستقود الاقتصاد في المرحلة القادمة، حيث تُعد الطباعة ثلاثية الأبعاد مثالًا حيًا على الثورة الصناعية الرابعة، فيما يمثّل قطاع السياحة أحد روافد النمو غير النفطي للمملكة.
وأكدت الكلية أن باب القبول في هذه البرامج مفتوح حاليًا عبر المنصة الوطنية للقبول الموحد، داعية جميع المهتمين إلى المبادرة بالتقديم قبل إغلاق فترة التسجيل، حيث يُتوقع أن تحظى هذه البرامج بإقبال واسع نظرًا لجودتها ومجانيتها والدعم المادي المقدم.
وتسعى الكلية، بحسب ما ورد في إعلانها، إلى تطوير برامجها باستمرار، وقياس أثرها من خلال مؤشرات أداء واضحة تشمل نسب القبول، والتخرج، والتوظيف بعد التخرج، لضمان جودة المخرجات وتحقيق الأثر المطلوب على سوق العمل الوطني.
وتُعد هذه المبادرة امتدادًا لجهود متكاملة تبذلها وزارة التعليم والجامعات السعودية لتمكين الشباب وتزويدهم بالمهارات المطلوبة في سوق متغير، خصوصًا في ظل الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي التي بدأت تُغيّر معايير التوظيف والإنتاج على مستوى العالم.
ويؤكد إعلان الكلية التطبيقية أن التعليم المجاني لم يعد مقتصرًا على المراحل الأساسية، بل أصبح خيارًا استراتيجيًا في التعليم العالي التقني، خصوصًا عندما يُقرن بالتحفيز المالي والتخصصات الحديثة، مما يمنح الشباب السعودي فرصًا عادلة ومتنوعة للانخراط في مجالات نوعية ذات مستقبل واعد.
ويُتوقع أن يكون لهذه الخطوة أثر كبير على خفض نسب البطالة بين فئة الشباب، وتعزيز توطين الوظائف في القطاعات التقنية والخدمية، في وقت تسعى فيه المملكة إلى تحقيق أقصى استفادة من طاقات أبنائها عبر التعليم النوعي، والتأهيل الممنهج، والدعم المباشر الذي يسهل طريقهم نحو الاستقرار المهني.
ويأمل مراقبون أن تتوسع هذه التجربة لتشمل جامعات وكليات أخرى في مختلف مناطق المملكة، بما يضمن تغطية أوسع وفرصًا أكبر للشباب من مختلف الخلفيات، لا سيما أولئك الذين قد تحول الظروف المادية دون مواصلة تعليمهم العالي.