اعتمد مجلس هيئة السوق المالية في المملكة العربية السعودية عددًا من التعديلات التنظيمية الجديدة التي تهدف إلى تسهيل إجراءات فتح وتشغيل الحسابات الاستثمارية لعدد من فئات العملاء، وذلك ضمن مشروع شامل يشمل تعديل "تعليمات الحسابات الاستثمارية" و"القواعد المنظمة للاستثمار الأجنبي في الأوراق المالية" و"لائحة مؤسسات السوق المالية"، على أن يبدأ العمل بهذه التعديلات اعتبارًا من تاريخ نشرها رسميًا.
ويأتي اعتماد هذا الإطار التنظيمي المحدث في إطار حرص الهيئة على مواكبة التطورات التنظيمية والتقنية المتسارعة، ودعم مستهدفات رؤية المملكة 2030 المتعلقة بجعل السوق المالية السعودية أكثر جاذبية وكفاءة، وتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية بين الأسواق الناشئة.
وتهدف التعديلات إلى تسهيل دخول المستثمرين المحليين والدوليين، من خلال تطوير متطلبات وإجراءات فتح الحسابات الاستثمارية وتشغيلها، وتوسيع فئات المستثمرين المسموح لهم بالتداول، إلى جانب تنظيم العمليات المرتبطة بتلك الحسابات، بما يرفع من مستوى حماية المستثمرين، ويعزز من ثقتهم بالمشاركة في السوق المالية السعودية.
ومن بين أبرز التعديلات التي تم اعتمادها، تطوير متطلبات فتح الحسابات الاستثمارية للمستثمرين الأجانب الأفراد من مواطني دول مجلس التعاون الخليجي، والسماح لهم بالاستثمار المباشر في الأسهم المدرجة في السوق الرئيسية، بعد أن كان تداولهم محصورًا في أدوات الدين والسوق الموازية والصناديق الاستثمارية والمشتقات المالية.
وكانت مشاركة هؤلاء المستثمرين سابقًا في السوق الرئيسية تقتصر على نماذج استثمارية غير مباشرة، مثل عقود المبادلة أو عبر مؤسسات سوق مالية تدير محافظهم، لكن التعديلات الجديدة تتيح لهم الاستثمار المباشر، مما يعزز مشاركتهم ويرفع من مستوى السيولة في السوق.
كما تُمكن التعديلات المستثمر الأجنبي الفرد، الذي سبق له الإقامة في المملكة أو في إحدى دول الخليج، من الاستمرار في تشغيل حسابه الاستثماري واستثمار أمواله في السوق المالية السعودية حتى بعد انتهاء إقامته وعودته إلى بلده، بشرط أن يكون قد فتح حسابًا استثماريًا في المملكة خلال فترة إقامته.
وتفتح هذه الخطوة المجال أمام استمرار تدفق الاستثمارات من المستثمرين ذوي الخبرة الذين أقاموا سابقًا في المملكة، كما تساهم في المحافظة على رأس المال المستثمر داخل السوق المحلي، وتدعم السيولة والعمق المالي في السوق الرئيسية.
وإضافة لذلك، تهدف التعديلات الجديدة إلى تبسيط إجراءات فتح الحسابات وتشغيلها لعدد من فئات عملاء مؤسسات السوق المالية، عبر تسهيل الجوانب التنظيمية والإدارية، وتوفير مسارات مرنة للعملاء مع الحفاظ على معايير الامتثال والمخاطر.
وتؤكد الهيئة أن هذا التعديل يمثل استجابة عملية لملاحظات ومقترحات العموم، حيث جرى طرح مشروع التعديلات في وقت سابق عبر المنصة الوطنية لاستطلاع آراء العموم والجهات الحكومية (منصة استطلاع)، وموقع الهيئة الرسمي، وذلك بتاريخ 20 نوفمبر 2024، قبل أن تعتمد الهيئة الصيغة النهائية للتعديلات.
وتعد هذه الخطوة جزءًا من جهود الهيئة المستمرة لتعزيز الشفافية والمشاركة المجتمعية في صناعة القرار التنظيمي، وتحقيق أعلى مستويات الكفاءة والفاعلية في تنظيم السوق، وتوسيع قاعدة المستثمرين وتنوعهم بما يخدم أهداف النمو الاقتصادي الوطني.
كما أن توسيع نطاق الأوراق المالية المتاحة للمستثمرين الأفراد غير السعوديين، خصوصًا من مواطني دول مجلس التعاون، يعكس توجهًا استراتيجيًا نحو جذب شريحة أوسع من المستثمرين ذوي العلاقة الوثيقة بالسوق السعودي، بما يعزز الترابط بين أسواق المنطقة.
وتتوقع الهيئة أن تسهم هذه التعديلات في رفع تنافسية السوق، وتحقيق التوازن بين فتح أبواب الاستثمار واستمرار الرقابة الكافية لضمان استقرار السوق وحماية حقوق جميع المستثمرين، خصوصًا مع دخول فئات جديدة من المستثمرين لأول مرة إلى السوق الرئيسية.
ويأتي ذلك ضمن سلسلة من المبادرات الإصلاحية التي أطلقتها هيئة السوق المالية خلال الأعوام الأخيرة، والتي شملت تحديث العديد من اللوائح التنظيمية وتبني تقنيات حديثة ورفع مستوى الشفافية وتيسير وصول المستثمرين إلى السوق بأعلى كفاءة ممكنة.
ويؤكد هذا التحرك التنظيمي أن السوق المالية السعودية ماضية في تطوير بنيتها التشريعية والتنفيذية بما يتماشى مع المعايير الدولية، وفتح آفاق جديدة أمام المستثمرين الأفراد والمؤسسات على حد سواء، وتحفيز الابتكار المالي المستدام.
ويمكن للمستثمرين والمهتمين الاطلاع على النسخ المعدلة من التعليمات التنظيمية، عبر الروابط المنشورة في الموقع الإلكتروني الرسمي لهيئة السوق المالية، والتي تتضمن تفاصيل شاملة حول المتطلبات المحدثة والفئات المشمولة ونطاق الأوراق المالية التي يمكن الاستثمار بها.