وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بالسعودية.
قرار مفاجئ بشأن حظر العمل تحت الشمس .. استثناءات جديدة تثير الجدل
كتب بواسطة: سعيد الصالح |

أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في السعودية عن استثناءات جديدة من قرارها السنوي المتعلق بحظر العمل تحت أشعة الشمس، حيث سمحت لفئات محددة من العاملين بمواصلة أعمالهم في الأوقات المحظورة، مع اشتراط اتخاذ تدابير وقائية صارمة لضمان سلامتهم، ويأتي هذا الاستثناء في إطار تنظيم العمل الميداني في بيئة المملكة الحارة، وتحقيق التوازن بين متطلبات السلامة واستمرارية الخدمات الحيوية.

ويقضي القرار الذي يُطبق سنوياً في الفترة بين 15 يونيو و15 سبتمبر من كل عام، بمنع تشغيل العاملين في الأماكن المكشوفة تحت أشعة الشمس المباشرة بين الساعة 12 ظهرًا وحتى الساعة 3 عصرًا، ويهدف إلى حماية صحة العاملين في القطاع الخاص من أضرار التعرض الطويل للإجهاد الحراري الذي قد يؤدي إلى مشاكل صحية جسيمة، خصوصاً في مناطق المملكة ذات الحرارة المرتفعة.

ورغم تشديد الوزارة على أهمية التقيّد بالحظر، فقد استثنت من تطبيق القرار العاملين في شركات النفط والغاز، وكذلك فرق الصيانة المخصصة للتعامل مع الحالات الطارئة، بالإضافة إلى العمالة التي تنفذ مهاماً محددة لا تتجاوز مدتها شهرين، بشرط اتخاذ الإجراءات اللازمة لحمايتهم من تأثيرات الحرارة المباشرة، وهو ما أثار تفاعلاً واسعاً في الأوساط العمالية والمهنية.

وقد أوضحت الوزارة أن هذه الاستثناءات لا تعني تجاهل تدابير السلامة، بل تشدد على ضرورة تطبيق أعلى معايير الحماية المهنية، وتشمل هذه الإجراءات توفير معدات الوقاية الشخصية مثل أغطية الرأس والخوذ، وضمان وجود مياه باردة بشكل دائم في مواقع العمل، وتوفير أماكن مظللة للراحة، إلى جانب قياس الحرارة والرطوبة بانتظام، لتحديد مدى ملاءمة البيئة للعمل.

كما أكدت الوزارة على أهمية تدريب مسؤولين مختصين في مواقع العمل للتعامل مع حالات الإجهاد الحراري، وتقديم الدعم الفوري للعمال عند الحاجة، ويأتي ذلك تماشياً مع المعايير الدولية التي تتبناها المملكة ضمن استراتيجيتها لتحسين بيئة العمل وضمان حقوق العمال.

ورغم أن قرار الحظر لا يشمل جميع الأعمال الميدانية، بل يقتصر على الأعمال المكشوفة التي يتعرض فيها العامل لأشعة الشمس المباشرة دون حماية، فإن الجهات الرقابية تُشدد على التزام المنشآت بهذا التحديد، مع مراقبة ميدانية مستمرة لضمان عدم وجود تجاوزات قد تهدد سلامة العاملين.

وقد ألزمت الوزارة أصحاب العمل في المناطق الحارة بـ11 مسؤولية أساسية تندرج تحت بند السلامة المهنية، تتضمن هذه المسؤوليات وضع خطة تنظيمية لجدولة الأعمال في أوقات الصباح الباكر أو بعد العصر، وتحديد فترات راحة كافية للعاملين، والتأكد من ملاءمة الوضع الصحي للعمال، خاصة الذين يعانون من أمراض مزمنة أو حالات صحية حساسة للحرارة.

وفي حال مخالفة هذا القرار، تفرض الوزارة عقوبات صارمة تبدأ بغرامة مالية تبلغ 3,000 ريال عن كل عامل يتم ضبطه يعمل في الأوقات المحظورة، وتتضاعف العقوبات لتصل إلى 10,000 ريال، وفي بعض الحالات قد تُغلق المنشأة المخالفة لمدة تصل إلى 30 يوماً، أو يُجمع بين الغرامة والإغلاق حسب طبيعة المخالفة وتكرارها.

وتؤكد الوزارة أن هذه العقوبات لا تهدف إلى الضغط على المنشآت، بل تسعى من خلالها إلى حماية الأرواح وتعزيز ثقافة السلامة المهنية، وتطبيق نظم عمل مسؤولة تتناسب مع طبيعة البيئة المناخية في السعودية، وتحد من الحوادث المهنية المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة.

وفي الوقت الذي أبدى فيه البعض ارتياحهم لهذه الاستثناءات، نظراً لطبيعة عمل شركات النفط والغاز وفرق الطوارئ التي تتطلب تواجداً ميدانياً مستمراً، عبّر آخرون عن مخاوفهم من إمكانية إساءة استخدام هذه الثغرات لتكليف العمال بمهام شاقة في أوقات الحظر، وهو ما يتطلب رقابة دقيقة لضمان عدم التحايل على القرار.

وشددت الوزارة على أهمية الإبلاغ عن أي مخالفة يتم رصدها في الميدان، ودعت جميع العاملين إلى التواصل عبر القنوات الرسمية للإبلاغ عن أي حالات تشغيل مخالفة، مؤكدة التزامها بالتحقيق في البلاغات بشكل فوري، واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية حقوق العاملين.

ويأتي هذا القرار ضمن جهود المملكة في تطوير منظومة العمل وتحقيق معايير جودة الحياة للعاملين، بما ينسجم مع رؤية السعودية 2030 التي تضع الإنسان في صلب أولوياتها، وتسعى لبناء بيئة عمل جاذبة وآمنة تراعي مختلف الظروف الجغرافية والمناخية.

ويُشار إلى أن قرار حظر العمل تحت أشعة الشمس ليس جديداً، بل بدأ تطبيقه منذ عدة سنوات كجزء من سياسات الوقاية المهنية، وقد تم تطويره تدريجياً ليشمل تفاصيل أكثر دقة تتعلق بنوع العمل والموقع وطبيعة المهمة، بما يسهم في تعزيز التوازن بين السلامة والإنتاجية.

وتهدف الوزارة من خلال هذا القرار إلى تقليل نسب الحوادث والإصابات الناتجة عن الحرارة المرتفعة، والتي تُعد من أبرز التحديات التي تواجه العاملين في الميدان، خصوصاً في فصل الصيف، إذ يمكن أن يؤدي تجاهل تدابير السلامة إلى حالات إعياء أو ضربة شمس أو حتى مضاعفات صحية خطيرة.

ويعكس الاستثناء الممنوح لقطاعات محددة اعترافاً بخصوصية بعض الأنشطة المهنية التي لا يمكن إيقافها أو تأجيلها، مثل أعمال صيانة البنية التحتية الحيوية أو تشغيل منصات إنتاج الطاقة، والتي تتطلب جهوزية على مدار الساعة لضمان استمرارية الخدمات الأساسية للمواطنين والمقيمين.

وتحظى سياسات السلامة المهنية باهتمام متزايد من قبل المؤسسات السعودية، والتي بدأت بإعادة هيكلة إجراءات العمل الميداني بما يتوافق مع الظروف المناخية المتغيرة، ويُتوقع أن تستمر الوزارة في تحديث سياساتها وتوسيع برامج التوعية والتدريب بما يضمن سلامة العاملين في كافة المجالات.

وتُعتبر السعودية من الدول الرائدة في المنطقة في مجال تنظيم العمل خلال فترات الطقس القاسي، وتسعى بشكل مستمر إلى مواءمة سياساتها مع أفضل الممارسات العالمية، وهو ما يتجلى في حرصها على إصدار قرارات سنوية تتعلق بالسلامة الحرارية، والتأكيد على تنفيذها بحزم في الميدان.