في خطوة جديدة تعكس انفتاح المملكة العربية السعودية على أحدث تقنيات الاتصالات، أعلنت هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية موافقتها الرسمية على استخدام خدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية التابعة لنظام "ستارلينك" داخل أراضي المملكة، وهذا القرار يمثل تحولًا مهمًا في قطاع الاتصالات، ويفتح الباب أمام توفير الإنترنت في المناطق النائية والريفية بموثوقية عالية وسرعات غير مسبوقة.
نظام "ستارلينك" هو مشروع طموح أطلقته شركة "سبيس إكس" الأميركية التي يملكها رجل الأعمال إيلون ماسك، ويهدف إلى توفير الإنترنت عالي السرعة لكافة أنحاء العالم عبر شبكة ضخمة من الأقمار الصناعية المنخفضة المدار، ويعتمد النظام على إرسال واستقبال البيانات من الفضاء إلى أجهزة استقبال أرضية صغيرة، ما يتيح الاتصال بالشبكة من أي مكان تقريبًا دون الحاجة إلى بنية تحتية أرضية تقليدية.
الموافقة السعودية على استخدام ستارلينك جاءت بعد تقييم فني وتنظيمي شامل، شمل اختبارات على جودة الخدمة وسرعة الاتصال ومستوى الأمان السيبراني، وقد أكدت الهيئة أن النظام يتوافق مع الأنظمة المحلية ويلتزم بمعايير تنظيم الاتصالات داخل المملكة، وستُمنح التراخيص لمقدمي الخدمة المعتمدين، على أن تتم المراقبة الدورية لضمان التزامهم بالجودة والمتطلبات الفنية.
ويمثل إدخال ستارلينك إلى السوق السعودي خطوة نوعية نحو تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، والتي تسعى إلى تطوير البنية الرقمية وتمكين المجتمعات من الوصول المتكافئ إلى خدمات الإنترنت، لا سيما في المناطق التي تعاني من ضعف التغطية، فبينما تتوفر الخدمات الأرضية في المدن الكبرى بشكل ممتاز، فإن القرى والمناطق الجبلية أو الصحراوية ظلت لسنوات تعاني من ضعف الاتصال، وهو ما يمكن أن تعالجه تقنية ستارلينك بشكل مباشر وفعال.
ومن المتوقع أن تسهم هذه الخدمة في تحسين جودة الحياة وتوسيع نطاق الخدمات الذكية في قطاعات متعددة، منها التعليم عن بعد، والرعاية الصحية الرقمية، والخدمات الحكومية الإلكترونية، إضافة إلى دعم ريادة الأعمال والابتكار التقني، كما ستتيح للشركات الناشئة والمستثمرين في المناطق البعيدة الاتصال بالشبكة العالمية، بما يعزز من فرص النمو الاقتصادي في تلك المناطق.
خبراء التقنية والاتصالات أشادوا بقرار المملكة، واعتبروه تقدمًا لافتًا في مجال تبني الابتكارات العالمية. وأشاروا إلى أن استخدام الإنترنت عبر الأقمار الصناعية ليس مجرد رفاهية، بل أصبح ضرورة في ظل التحول الرقمي المتسارع، كما أكدوا أن نظام ستارلينك يتمتع بسرعة اتصال تفوق 100 ميغابت في الثانية في كثير من المناطق، مما يجعله منافسًا حقيقيًا لخدمات الإنترنت التقليدية، خاصة في المواقع ذات البنية التحتية المحدودة.
ورغم المزايا الواضحة، تبقى هناك تحديات محتملة قد ترافق المرحلة الأولى من التشغيل، من بينها التكلفة العالية نسبيًا لخدمة ستارلينك مقارنةً بالخدمات الأرضية، إضافة إلى الحاجة إلى توفير المعدات اللازمة مثل الأطباق المخصصة وأجهزة الاستقبال، فضلاً عن التأقلم مع نمط اتصال مختلف يعتمد على الأقمار الصناعية المتحركة، إلا أن هذه التحديات تبدو قابلة للتجاوز مع مرور الوقت وتوسع نطاق الاستخدام.
ومع بدء تفعيل النظام في المملكة، يتطلع المواطنون والمقيمون إلى تجربة نوعية جديدة في عالم الاتصال، خصوصًا أولئك الذين عانوا طويلاً من ضعف الشبكات أو انعدام التغطية، وبينما لا تزال الخدمة في بداياتها، فإن التوقعات تشير إلى أن السعودية ستكون من بين أوائل الدول التي تتوسع في اعتماد الإنترنت الفضائي بشكل منظم وفعّال، في ظل الدعم الحكومي والتوجه العام نحو تسريع التحول الرقمي في كافة المناطق.