في خطوة رائدة تعكس التوجه المتسارع نحو التحول الرقمي في خدمة الزائرين، أفردت وكالة المسجد النبوي مسارًا إثرائيًا متخصصًا يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، يُعد الأول من نوعه على مستوى الحرمين الشريفين، وقد جاء هذا المشروع في إطار استراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز جودة الخدمات المقدمة لزوار المسجد النبوي وضيوف الرحمن، من خلال تقديم محتوى شرعي وعلمي منوّع يخضع لحوكمة دقيقة ومعايير شرعية موثوقة.
وقد دشنت الوكالة النسخة التجريبية لتطبيق "المساعد الذكي"، الذي يمثل نواة هذا المسار الإثرائي الرقمي، ويعد نقلة نوعية في توظيف الذكاء الاصطناعي لتوفير تجربة دينية متكاملة، تلبي احتياجات الزائر المعرفية والروحانية في آن واحد، وتم إطلاق هذه المبادرة الطموحة في مقر الوكالة، بحضور معالي رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، حيث قام معاليه بتدشين النسخة التجريبية من التطبيق داخل مكتبه، في حفل شهد حضور عدد من المسؤولين والعلماء، كان أبرزهم الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي، إمام وخطيب المسجد النبوي والمشرف العام على برنامج إثراء تجربة الزائرين والمكتبات والمخطوطات.
ويعكس هذا التدشين مرحلة جديدة من التفاعل الذكي بين التقنية والمحتوى الشرعي الموجه، حيث يضم "المساعد الذكي" باقة من الخدمات المصممة خصيصًا لتسهيل تجربة الزائر داخل المسجد النبوي، بواجهات استخدام سهلة وخيارات متقدمة تسمح للمستخدم بالوصول إلى المعلومات الإثرائية الدقيقة بضغطة زر، ويشتمل التطبيق على خصائص متعددة من أبرزها إمكانية عرض أوقات الصلوات اليومية في المسجد النبوي، مقرونة بجداول الأئمة والمؤذنين، بما يعزز من معرفة الزائر بترتيبات الصلوات وأصوات الأذان والإمامة، التي ترتبط وجدانيًا بروحانية المكان.
كما يقدم التطبيق جداول منظمة لأوقات إقامة الدروس العلمية المخصصة للزائرين، والتي يقدمها كوكبة من العلماء وطلبة العلم في أروقة المسجد النبوي، إضافة إلى إتاحة معلومات تفصيلية عن حلقات تحفيظ القرآن الكريم المقامة يوميًا، مع إمكانية معرفة مواقعها، وأسماء المشرفين عليها، وأوقات انعقادها، مما يفتح المجال أمام الراغبين في الاستفادة منها بشكل مباشر ومنظم، ويدعم التطبيق كذلك البحث الصوتي والنصي المتقدم، بحيث يتمكن الزائر من طرح استفساراته الشرعية أو التنظيمية باللغة العربية أو بترجمات متعددة، ليحصل على إجابة دقيقة ومضبوطة شرعًا، ما يختصر الوقت ويزيل الحواجز اللغوية ويعزز التفاعل الذكي.
ويأتي إطلاق التطبيق ضمن أهداف كبرى تنفذها وكالة المسجد النبوي لتعزيز مكانة المدينة المنورة كمركز إشعاع علمي وديني، واستثمار التقنية الحديثة في نقل هذه الرسالة للعالم أجمع، وقد أوضح مسؤولو الوكالة أن هذا التطبيق لا يقتصر على كونه وسيلة معلوماتية، بل هو مشروع معرفي متكامل يعكس فلسفة التيسير على الزائر، وتقديم المحتوى الشرعي من خلال أدوات عصرية تفهم احتياجات المستخدم وتوفر له تجربة ميسرة ذات موثوقية عالية.
ويُتوقع أن يشهد التطبيق، في مراحله القادمة، تطويرات نوعية تتضمن توسيع قاعدة البيانات الشرعية، وتضمين محتوى مرئي وصوتي إضافي، فضلاً عن ربطه بمنصات إلكترونية أخرى تابعة للرئاسة العامة لشؤون الحرمين، بما يعزز من التكامل الرقمي بين مختلف الجهات ذات العلاقة، كما يجري العمل على إضافة خدمات جديدة مثل الإشعارات التفاعلية لتنبيه الزائر بالمحاضرات أو البرامج التي تتناسب مع اهتماماته، بالإضافة إلى إمكانية حجز مقاعد في بعض الفعاليات أو التسجيل في الحلقات القرآنية من خلال التطبيق مباشرة.
ويعكس هذا المشروع الطموح حجم الاهتمام الذي توليه القيادة الرشيدة في المملكة العربية السعودية للحرمين الشريفين وزوارهما، حيث تسعى الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، ممثلة بوكالة المسجد النبوي، إلى تسخير كل الوسائل التقنية والعلمية الحديثة لخدمة الزائرين وتحقيق تطلعاتهم الروحية والعلمية، كما يُبرز "المساعد الذكي" التقدم الذي أحرزته المملكة في مجالات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، وتحويلها إلى أدوات عملية تخدم الدين وتيسر العبادة وتنقل تجربة الحرمين الشريفين إلى آفاق جديدة من التفاعل والتكامل.
وتُعد هذه الخطوة امتدادًا لجهود المملكة المستمرة في تطوير منظومة الخدمات الدينية، وتقديم كل ما من شأنه الارتقاء بتجربة الزائر في الحرمين الشريفين، سواء من خلال البنية التحتية أو المنصات الإلكترونية أو المبادرات الذكية التي توظف التكنولوجيا في خدمة رسالة المسجد النبوي الشريفة، ويُنتظر أن يُشكل تطبيق "المساعد الذكي" بوابة ذكية جامعة تجمع بين الأصالة الشرعية والحداثة التقنية، وتقدم نموذجًا فريدًا لتفاعل الإنسان مع بيئة المسجد النبوي في زمن التحول الرقمي.