اختُتمت اليوم في العاصمة الرياض فعاليات ملتقى "تنفّس 2025"، الذي شكل منصة إقليمية هامة لتعزيز الحوار وتبادل الخبرات حول سياسات تقليل أضرار التبغ، متبنياً رؤية طموحة نحو مستقبل خالٍ من أضرار التدخين، يرتكز على الابتكار، الوقاية، والتكامل التنظيمي.
يأتي هذا الملتقى، الذي نظمته مبادرة "تنفّس"، نتيجة شراكة استراتيجية بين شركة "بدائل" (إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة)، وبرنامج "جودة الحياة" (أحد برامج رؤية 2030)، وشركة "الصحة الذكية" (الشريك العلمي للملتقى)، ليجمع أكثر من 100 خبير وصانع قرار من داخل المملكة وخارجها، يمثلون منظمات صحية وهيئات تنظيمية ومؤسسات أكاديمية.
تناولت جلسات الملتقى محاور علمية استراتيجية من بينها تصحيح المفاهيم المغلوطة حول استخدام النيكوتين كبديل أقل ضرراً من التبغ، حيث تم التأكيد على أنه جزء من الحل وليس المشكلة، إضافة إلى دراسة أثر الضرائب كأداة فعالة لتقليل استهلاك منتجات التبغ، واستعراض الابتكارات العلمية في المنتجات البديلة منخفضة الضرر، مستندين في ذلك إلى نماذج دولية ناجحة من السويد والمملكة المتحدة.
بيانات الهيئة العامة للإحصاء أظهرت انخفاضاً ملموساً في نسبة انتشار التدخين بين البالغين في السعودية، من 17.5% إلى 12.4% خلال عام واحد فقط، ما يعكس نتائج تطبيق سياسات تنظيمية شاملة، تشمل زيادة الضرائب وتوفير البدائل الأقل ضرراً.
ويعكس هذا التراجع الخطوات المتقدمة التي اتخذتها المملكة لترسيخ مكانتها كنموذج إقليمي يُحتذى به في إدارة شؤون مكافحة التدخين.
وأكد المشاركون أن مبادرة "تنفّس" ليست مجرد منصة توعوية، بل تمثل تحولا حقيقياً في التأثير على السياسات والسلوك المجتمعي، مع إعلان المنظمين أن هذا الملتقى هو بداية لسلسلة من الفعاليات المتخصصة التي تعزز من جهود تقليل أضرار التبغ في المملكة والمنطقة.
وخلال كلمته، قال طولغا سيزار، الرئيس التنفيذي لشركة "بدائل": "يُعدّ تقليل الضرر بوابة نحو مستقبل خالٍ من التدخين، والمملكة العربية السعودية تتصدر هذا التوجّه العالمي، ويشكّل ملتقى 'تنفّس' خطوة وطنية جريئة، تُبرز الدور الريادي للمملكة في تعزيز جهود مكافحة التبغ من خلال العلم والابتكار والتشريعات المتقدّمة."
فيما أكد سلمان الخطاف، مستشار الرئيس التنفيذي لبرنامج جودة الحياة، أن "الصحة ليست خياراً بل أساساً لحياة كريمة ومجتمع منتج، وملتقى 'تنفّس' يساهم في تعزيز صحة المجتمع وأنماط الحياة الإيجابية بما يتناسب مع أهداف المملكة ورؤيتها الطموحة."
وأضافت الدكتورة سارة الرشود، المستشارة البحثية في شركة الصحة الذكية، أن مبادرة "تنفّس" تعكس التزام كافة الجهات في الحد من التدخين والوصول إلى مملكة خالية من أضرار التبغ، خاصة مع وجود نحو 4.8 مليون مدخن بالغ في المملكة، وهو عدد كبير يحتاج إلى جهود متكاملة للتعامل معه.
من جانبه، قدم الدكتور كريستوفر راسل، المتخصص في دراسة إدراك وسلوك الأفراد تجاه منتجات التبغ والنيكوتين من المملكة المتحدة، أرقاماً صادمة حول عدد الوفيات المبكرة المرتبطة بالتدخين في السعودية، والتي تصل إلى نحو 14,200 حالة سنوياً، متوقعاً أن يشهد العالم نهاية التدخين خلال الأربعين عاماً المقبلة، ما يضع على عاتق الجميع مسؤولية مضاعفة.
وعرض الدكتور كونستانتينوس فارسالينوس، الخبير في التجارب الدولية، نجاح السويد في خفض معدلات التدخين من 15% إلى 5% خلال 15 عاماً فقط، ما أدى إلى تقليص معدلات الإصابة بالسرطان بنسبة 41% والوفيات المرتبطة بالتبغ بنسبة 39.6%، مشيراً إلى أن هذه النماذج الناجحة يمكن أن تكون فرصة استراتيجية للمنطقة العربية.
على الصعيد الإقليمي، حذر الدكتور عبد الرحمن القضيب، طبيب الأسرة المتخصص في الأمراض غير المعدية وتقليل أضرار التبغ في السعودية، من استمرار ارتفاع نسب التدخين في بعض دول المنطقة مثل الأردن ولبنان، مؤكداً ضرورة تبني سياسات أكثر صرامة.
من جهته، ذكر الدكتور محمد يمان، خبير الصحة العامة، أن 85% من المدخنين يعودون للتدخين خلال أشهر، وفقاً لدراسات مايو كلينك، مما يبرز أهمية مبادرة "تنفّس" في دعم البدائل وتعزيز سبل الإقلاع المستدامة.
اختتم المشاركون فعاليات الملتقى بالتأكيد على أن "تنفّس 2025" يمثل خطوة محورية في مسيرة المملكة نحو مجتمع خالٍ من أضرار التبغ، مجسدين التقاء الإرادة السياسية بالمعرفة العلمية، ومعززين مكانة السعودية كنموذج ريادي إقليمياً في تبني السياسات القائمة على تقليل الضرر وتحقيق جودة الحياة.