شهدت أسعار النفط بعض التراجعات الطفيفة خلال التعاملات المبكرة من جلسة اليوم الجمعة، وذلك في ظل ضغوط السوق المعتادة التي تتأثر بالعوامل المتقلبة، سواء كانت جيوسياسية أو اقتصادية، إلا أن هذا التراجع لم يمنع الخامين الرئيسيين من التوجه نحو تسجيل أول مكاسب أسبوعية لهما بعد أسبوعين متتاليين من الخسائر، وهو ما يشير إلى بعض التفاؤل الحذر في أوساط المستثمرين والمحللين بقطاع الطاقة.
فقد انخفض سعر العقود الآجلة لخام برنت بنحو 12 سنتًا، وهو ما يعادل نسبة 0.2%، ليصل سعر البرميل إلى 65.22 دولارًا، بعد أن سجل ارتفاعًا طفيفًا في الجلسة السابقة، بينما سجلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي هبوطًا مقداره 15 سنتًا أو ما يعادل أيضًا 0.2%، ليصل السعر إلى 63.22 دولارًا للبرميل، رغم مكاسب وصلت إلى حوالي 50 سنتًا في تداولات اليوم السابق، وتبرز هذه الأرقام حجم التذبذب الذي يشهده سوق النفط، حيث تتأرجح الأسعار بشكل شبه يومي بناءً على بيانات الإنتاج والتخزين، والمواقف الجيوسياسية، إضافة إلى التحولات في الطلب العالمي على الطاقة.
وبالرغم من التراجع الطفيف الذي سجلته الأسعار خلال هذا اليوم، فإن الأداء الأسبوعي العام لكلا الخامين يشير إلى تعافٍ نسبي، حيث حقق خام برنت تقدمًا بنسبة 2.1% منذ بداية الأسبوع الجاري، بينما قفز خام غرب تكساس الوسيط بنسبة وصلت إلى 4%، هذا التحسن الأسبوعي يعكس تغيّرات في المزاج العام للمستثمرين، بالإضافة إلى توقعات السوق التي تشير إلى احتمال تحسن الطلب العالمي خلال الأشهر المقبلة، مع التقدم المستمر في حملات التلقيح ضد فيروس كورونا، وتخفيف القيود في عدد من الاقتصادات الكبرى.
ويعزو المحللون في الأسواق العالمية هذا الاتجاه الصعودي إلى عدة عوامل، أبرزها التوقعات المتعلقة بنمو الطلب في النصف الثاني من العام الجاري، وتراجع المخزونات الأمريكية من النفط الخام، إلى جانب تصريحات بعض مسؤولي منظمة أوبك التي ألمحت إلى احتمال تعديل مستويات الإنتاج مستقبلًا بشكل يتماشى مع المتغيرات السوقية، كذلك فإن الأسعار استفادت من بيانات اقتصادية إيجابية صدرت مؤخرًا من بعض الدول الصناعية الكبرى، والتي أظهرت مؤشرات تعافي اقتصادي حقيقية، مما عزز من شهية المستثمرين للمخاطرة والعودة إلى الاستثمار في الأصول المرتبطة بالسلع الأساسية مثل النفط.
وبالإضافة إلى تلك المؤثرات، فإن أسعار النفط ظلت تتفاعل أيضًا مع بعض العوامل المؤقتة مثل تعطل الإمدادات في بعض المناطق، والتوترات السياسية في الشرق الأوسط، وهي عوامل غالبًا ما تترك أثرًا مباشرًا وسريعًا على الأسعار العالمية. كما أن تقارير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية التي أظهرت تراجعًا مفاجئًا في المخزونات التجارية من الخام داخل الولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضي قد ساهمت بدورها في دعم موجة الارتفاع الأسبوعي الحالية.
ويرى بعض المحللين أن هذه الارتفاعات قد تكون مؤقتة إذا لم تستمر العوامل الداعمة، لا سيما في ظل استمرار الشكوك المرتبطة بمدى سرعة تعافي الاقتصاد العالمي، وعودة معدلات الطلب إلى مستويات ما قبل الجائحة. كما أن حالة الضبابية التي تكتنف السياسات النقدية في الولايات المتحدة وأوروبا تجعل من الصعب وضع تصور دقيق لمستقبل أسعار الطاقة على المدى المتوسط، مما قد يدفع الأسعار إلى التراجع مجددًا حال تراجع التفاؤل أو صدور بيانات سلبية مفاجئة.
على الجانب الآخر، لا تزال منظمة البلدان المصدّرة للبترول "أوبك" وحلفاؤها في تحالف "أوبك+" يتابعون بدقة تطورات السوق، وقد أعرب بعض أعضاء التحالف عن استعدادهم للتدخل عند الضرورة من خلال ضبط الإنتاج بما يحافظ على توازن الأسواق، ويمنع أي هبوط حاد وغير مبرر في الأسعار، وتعد السياسة المرنة التي تتبعها أوبك+ في الوقت الحالي عاملاً مهمًا في منح المستثمرين الثقة في استقرار السوق، وهو ما يعكسه جزئيًا الأداء الإيجابي الأسبوعي الأخير.
أما بالنسبة لمستقبل الأسعار، فإن التوقعات لا تزال متفاوتة، حيث يعتقد بعض الخبراء أن النفط سيبقى في نطاق سعري يتراوح بين 60 و70 دولارًا للبرميل خلال الربعين المقبلين، وذلك وفقًا لتقديرات ترتبط بنمو الطلب التدريجي واستقرار الإنتاج، في المقابل، يحذر آخرون من احتمال حدوث تصحيحات سعرية إذا ما واجه الاقتصاد العالمي أي انتكاسات جديدة، سواء بسبب موجات تضخم مرتفعة، أو صدمات في سلاسل الإمداد العالمية.
ومما لا شك فيه أن قطاع الطاقة يظل من أكثر القطاعات تأثرًا بالتغيرات الاقتصادية والجيوسياسية، ما يجعل توقع حركته بدقة أمرًا بالغ الصعوبة، ومع ذلك، تبقى المؤشرات الحالية تميل إلى الإيجابية، مع الإشارة إلى أهمية ترقب بيانات الإنتاج والمخزونات خلال الأسابيع المقبلة، إذ ستكون بمثابة إشارات حاسمة على اتجاهات الأسعار في المرحلة القادمة.
وفي الختام، فإن التراجعات الطفيفة التي شهدها سوق النفط اليوم لا تعكس بالضرورة مسارًا هبوطيًا مستمرًا، بل يمكن اعتبارها تصحيحًا محدودًا في إطار حركة صاعدة أوسع نطاقًا، مدعومة بتوقعات نمو الطلب العالمي وجهود أوبك+ لضبط التوازن بين العرض والطلب، وتبقى الأسواق بانتظار مؤشرات أقوى خلال الأيام المقبلة لتأكيد ما إذا كان هذا الاتجاه الصعودي سيستمر أم أن السوق سيعود إلى حالة التذبذب وعدم الاستقرار التي طبعته في الفترات السابقة.