الحج 1446
ضيوف الرحمن يتوافدون إلى عرفات.. استعداد لذروة الحج الروحية
كتب بواسطة: فهد احمد |

في مشهد روحاني مهيب يعكس وحدة القلوب وتنوع الجنسيات، يبدأ ضيوف الرحمن مساء اليوم الأربعاء التوافد إلى مشعر عرفات، قادمين من مشعر منى، استعدادًا للوقوف على صعيد عرفات الطاهر، الركن الأعظم في فريضة الحج، والذي يُجسّد ذروة الرحلة الإيمانية التي يحلم بها ملايين المسلمين حول العالم.

ومع بدء التوافد، تتسارع الجهود الرسمية لضمان انسيابية الحركة وتوفير أفضل الخدمات للحجاج، في مشهد يتكرر كل عام لكنه لا يفقد رهبة اللحظة وخصوصية الزمان والمكان.

وقد تفقد معالي وزير الحج والعمرة الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة مساء اليوم جاهزية مشعر عرفات، ووقف ميدانيًا على استعدادات الجهات المعنية في المشاعر المقدسة لضمان أن يؤدي الحجاج نسكهم بيسر وطمأنينة، وفق ما نقلته قناة "الإخبارية" السعودية.

جاءت جولة الوزير ضمن إطار المتابعة الدقيقة والدورية التي تنتهجها وزارة الحج والعمرة لضمان أعلى درجات التنظيم والسلامة للحجيج، حيث تشمل هذه المتابعة البنية التحتية، ومرافق الإقامة، ونقاط التفويج، والمراكز الصحية، ووسائل النقل، إضافة إلى خطط الطوارئ والسلامة.

وشدد الدكتور الربيعة في تصريحاته على أهمية تكامل الجهود الحكومية كافة في سبيل خدمة ضيوف الرحمن، مؤكدًا أن "نجاح الحج مسؤولية وطنية تتشارك فيها كل القطاعات".

ويُعد الوقوف بعرفة ذروة مناسك الحج، وهو اليوم الذي يُستجاب فيه الدعاء، وتُغفر فيه الذنوب، ويعتق الله فيه الرقاب من النار، حيث يصطف الملايين من الحجاج في هذا اليوم العظيم، متجردين من كل مظاهر الدنيا، متوجهين بقلوبهم وألسنتهم إلى الله عز وجل، مستشعرين معنى المساواة بين البشر في أبهى صورها.

وفي سياق متصل، أعلنت الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي عن استعدادها لنقل خطبة يوم عرفة، الحدث السنوي الذي يتابعه العالم الإسلامي باهتمام بالغ، عبر بث مباشر وترجمة فورية بـ35 لغة عالمية، وذلك عبر منصاتها الرسمية، في خطوة تعكس البعد العالمي للحج والاهتمام الفائق بخدمة مختلف أطياف الحجيج.

وتُعد هذه المبادرة من أبرز الجهود التي تسعى من خلالها المملكة إلى تحقيق شمولية الخدمة الدينية، وإيصال الرسالة الوسطية للإسلام إلى أكبر عدد ممكن من المسلمين، بمختلف لغاتهم وثقافاتهم، في لحظة مركزية من لحظات الشعائر.

وتشمل اللغات المعتمدة في الترجمة كبرى لغات العالم مثل الإنجليزية، الفرنسية، الإسبانية، الروسية، الأوردو، الماليالام، والتركية، إضافة إلى لغات آسيوية وأفريقية أخرى تمثل شعوبًا واسعة ممن يتوافدون إلى المشاعر المقدسة كل عام.

وتأتي هذه الجهود في ظل منظومة متكاملة من الخدمات اللوجستية والصحية والتنظيمية، تبذلها المملكة على مدار الساعة، حيث تشهد المشاعر المقدسة أكبر عملية تنظيم بشري سنوية في العالم، وسط متابعة دقيقة من القيادة السعودية التي تضع أمن وسلامة وراحة الحجاج في مقدمة أولوياتها.

ويُنتظر أن يشهد مشعر عرفات هذا العام توافدًا من الحجاج من أكثر من 150 جنسية، ما يعكس الطابع العالمي لهذه الشعيرة، وعمق الرسالة الإسلامية التي تتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية، وتوحد القلوب في مشهد لا يتكرر إلا مرة واحدة في العام، على صعيد واحد، بلباس واحد، وبلغة الدعاء الواحدة.

ومع تقدم ساعات الليل، تتجه أنظار العالم الإسلامي إلى جبل الرحمة، حيث يقف الحجاج في يوم مشهود، وسط خدمات صحية متكاملة تشمل فرق إسعافية متنقلة، ومستشفيات ميدانية، وتغطية طبية مستمرة.

كما تواكب الفرق الأمنية والحجاج بتنظيم دقيق لحركة المشاة والمركبات، منعًا لأي اختناقات قد تؤثر على سير المناسك.

ويمثّل نجاح إدارة هذا الحدث الضخم شهادة جديدة للمملكة على قدرتها في تنظيم أكبر التجمعات البشرية على مستوى العالم بكفاءة واقتدار، مستفيدة من تراكم الخبرات وتطوير الخطط والتقنيات عامًا بعد عام.

ومع حلول فجر التاسع من ذي الحجة، يكتمل المشهد، ويبدأ الحجاج وقوفهم بعرفة، في يوم عظيم، يُعد من أهم الأيام في التقويم الإسلامي، فيما تتعالى الأدعية، وتتوحد القلوب، في أجواء إيمانية تُلهم العالم بروعة هذا اللقاء الروحي.