ضمن جهودها الاستثنائية لتأمين خدمات المياه خلال موسم حج 1446هـ، أعلنت الهيئة السعودية للمياه عن أرقام ضخمة تعكس كفاءة منظومتها التشغيلية وقدرتها العالية على تلبية الطلب المتزايد في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، خاصة في ذروة الموسم خلال يوم عرفة، الذي يُعد من أكثر الأيام ضغطًا على شبكة الإمداد المائي، وبحسب البيان الصادر عن الهيئة، فقد بلغت كميات المياه التي تم ضخها في مكة والمشاعر المقدسة خلال يوم عرفة وحده نحو 895,622 مترًا مكعبًا، وهو ما يعكس حجم الجاهزية الذي تمتاز به البنية التحتية المائية في المملكة، وفعالية التنسيق بين مختلف الجهات ذات العلاقة في المنظومة الخدمية للحج.
كما كشفت الهيئة أن إجمالي كميات المياه التي تم ضخها منذ بداية شهر ذي الحجة وحتى اليوم التاسع منه بلغ نحو 7,794,799 مترًا مكعبًا، في إطار خطة تشغيلية دقيقة تهدف إلى ضمان استمرارية الإمداد المائي دون انقطاع، خاصة في ظل الظروف المناخية القاسية والارتفاع المتوقع في درجات الحرارة خلال أيام الحج، وتعمل المنظومة على تلبية ذروة الطلب اليومي التي تتجاوز 1.2 مليون متر مكعب، بطاقة ضخ فعلية تفوق المليون متر مكعب يوميًا، وهو ما يُظهر استعدادًا عالي المستوى لمواجهة التحديات الميدانية خلال هذا الموسم.
وتُعد هذه الأرقام نتاج تكامل الجهود بين مختلف قطاعات منظومة المياه، حيث تعمل هذه القطاعات بتناغم تام لضمان وفرة الإمداد وكفاءة توزيعه، بالاعتماد على إدارة متقدمة للشبكات التي تستفيد من البنية التحتية الذكية التي طورتها الهيئة خلال السنوات الماضية، وقد أتاحت هذه البنية الذكية إمكانية استخدام تقنيات رقمية متقدمة، تُسهم بشكل مباشر في رفع الكفاءة التشغيلية، وتقليل الهدر، وتحقيق استجابة سريعة لأي طارئ قد يطرأ على الشبكة أو في نقاط التوزيع الحيوية.
كما تلعب قدرات التخزين والنقل والتوزيع دورًا محوريًا في نجاح خطة الإمداد، حيث تم دعم المنظومة بخزانات استراتيجية موزعة في نقاط حرجة لتأمين الاستجابة لأي زيادة مفاجئة في الطلب أو لأي أعطال غير متوقعة، كما تشارك محطات المعالجة بكفاءة في الحفاظ على جودة المياه وضمان استمراريتها، من خلال اعتماد معايير عالية في المعالجة ومراقبة المياه قبل ضخها إلى المستخدمين، وبالأخص حجاج بيت الله الحرام الذين تتطلب خدمتهم أعلى درجات الجودة والدقة والموثوقية.
ومن جهة أخرى، لم تغفل الهيئة أهمية الاستدامة، حيث أكدت أن مبادرات الترشيد التي يشرف على تنفيذها المركز الوطني لكفاءة وترشيد المياه "مائي" تلعب دورًا جوهريًا في تعزيز استدامة الموارد المائية، وتقليل الضغط على الإنتاج والضخ، من خلال توعية المستخدمين في المشاعر بأهمية ترشيد الاستهلاك، إلى جانب تنفيذ برامج تقنية وهندسية تستهدف الحد من الفاقد المائي ورفع كفاءة الشبكات والمحطات العاملة.
وضمن الجانب الرقابي والتشغيلي، أولت الهيئة السعودية للمياه اهتمامًا بالغًا بجودة المياه التي تصل إلى ضيوف الرحمن، إذ تم تنفيذ عدد قياسي من الفحوصات المخبرية خلال يوم عرفة فقط، بلغ نحو 4,908 فحصًا ميدانيًا، وهو ما يُعزز من الثقة العالية بجودة الإمداد ويؤكد التزام الهيئة بتطبيق أعلى معايير السلامة الصحية، وبهذه الفحوصات، يرتفع إجمالي عدد الفحوصات المخبرية منذ بدء الموسم إلى مستويات غير مسبوقة، تعكس الجهد الكبير المبذول في هذا الجانب الحيوي.
وفي ميدان العمل الميداني، واصلت فرق الرقابة والامتثال التابعة للهيئة السعودية للمياه جولاتها التفتيشية والتفقدية على مختلف المخيمات والمرافق الخدمية في مشعري منى وعرفات، بهدف التأكد من كفاءة الخدمات المقدمة، ومتابعة مدى التزام المقاولين والمشغلين بمعايير الجودة والجاهزية الفنية، وقد تجاوز عدد هذه الجولات الميدانية الخمسة آلاف جولة، شملت تقييم محطات المياه والمرافق الصحية، ورصد أي قصور محتمل في الخدمة، لضمان سرعة المعالجة وتحقيق أعلى مستويات الرضا لدى الحجاج والمستفيدين.
وتأتي هذه الإجراءات في إطار توجه شامل نحو التحول الرقمي والتحسين المستمر، حيث تستفيد الهيئة من أنظمة متطورة لرصد الأداء التشغيلي، باستخدام الحساسات الذكية وأجهزة قياس الضغط والتدفق، إضافة إلى نظم المعلومات الجغرافية التي تتيح تصورًا دقيقًا لحالة الشبكة في الزمن الحقيقي، وقد مكّنت هذه التقنيات الهيئة من التعامل بفعالية مع الطلب المرتفع، وضمان جاهزية المحطات والخطوط في كافة الأوقات، بما يعزز قدرة المنظومة على العمل بكفاءة في أصعب الظروف.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الاستعدادات لم تأتِ بشكل عشوائي، بل كانت ثمرة تخطيط مسبق طويل الأمد، بدأت منذ أشهر عديدة بالتنسيق مع الجهات المعنية، من خلال تنفيذ ورش عمل ومحاكاة افتراضية لسيناريوهات الذروة، وتحديث خطط الطوارئ، وتدريب الكوادر البشرية على التعامل مع الحالات الطارئة وفق بروتوكولات دقيقة، كما تم تنفيذ حملات صيانة موسعة شملت مختلف عناصر البنية التحتية، من شبكات رئيسية وفرعية، وخزانات، ومضخات، ومحطات تنقية، لضمان جاهزيتها الفنية بشكل كامل قبل دخول الموسم الفعلي.
وتؤكد الهيئة السعودية للمياه من خلال هذه الأرقام والجهود، مدى التزامها الثابت بخدمة ضيوف الرحمن، وتقديم خدمات مائية ذات جودة عالية، وفق أعلى المعايير العالمية، بما يُسهم في تسهيل أداء مناسك الحج بكل يسر وأمان، ويأتي ذلك في إطار الرؤية الوطنية التي تضع راحة الحجاج في مقدمة أولوياتها، وتُسخّر كل الإمكانيات التقنية والبشرية لتحقيق هذا الهدف النبيل.