في خطوة نوعية تُعد الأولى من نوعها في المملكة، أعلن تجمع مكة الصحي عن نجاح تجربة استخدام الطائرات المسيّرة "الدرون" في نقل الأدوية والاحتياجات الطبية بين مستشفيات المشاعر المقدسة خلال موسم الحج، وتأتي هذه المبادرة كجزء من التوجه الاستراتيجي لتعزيز الابتكار وتحقيق التحول الرقمي في القطاع الصحي، خاصة في ظل التحديات اللوجستية المصاحبة لخدمة ملايين الحجاج في منطقة جغرافية محدودة ذات كثافة بشرية عالية.
وأوضحت إدارة التجمع أن هذه التجربة تم تنفيذها بالتنسيق مع وزارة الصحة والجهات ذات العلاقة، حيث جرى استخدام طائرات درون مجهزة خصيصًا لنقل الأدوية بشكل آمن وسريع من مستشفى إلى آخر، بما يضمن استمرار توافر الأدوية الحرجة وتقليل الوقت المستغرق في التوصيل، والذي عادة ما يتأثر بازدحام الطرق وصعوبة الحركة خلال ذروة موسم الحج.
ووفقًا للقائمين على المشروع، فقد تم تجهيز الطائرات المسيّرة بحاويات طبية مُبردة للحفاظ على درجات حرارة مناسبة تضمن سلامة الأدوية، لا سيما تلك التي تتطلب شروط تخزين دقيقة مثل الأنسولين وأدوية الطوارئ، وقد تم اختبار هذه التقنية في بيئة حقيقية خلال أيام الحج، وتمكنت الدرونات من قطع المسافات بين المستشفيات في زمن قياسي مقارنة بالنقل البري التقليدي، مع تسجيل معدلات دقة عالية في الوصول للموقع المحدد.
الجهود المبذولة في هذا السياق لا تقتصر على الجانب التقني فحسب، بل تتضمن أيضاً تدريب الفرق الطبية والإدارية على آليات تسلم وشحن هذه الطائرات، والتعامل مع إجراءات الأمن والسلامة، إلى جانب التنسيق المسبق مع وحدات الرعاية الصيدلانية والإمداد الطبي لضمان جاهزية الأدوية المطلوبة وتحديث جداول التسليم بشكل لحظي.
وقد حظيت التجربة بإشادة واسعة من قبل العاملين في القطاع الصحي، لا سيما في ظل ما وفرته من وقت وجهد كان يُستنزف في العمليات اللوجستية، مما انعكس بشكل مباشر على جودة الخدمة المقدمة وسرعة الاستجابة لحالات الطوارئ، كما أثبتت التجربة أن بإمكان الحلول الذكية أن تسهم في تذليل العقبات التشغيلية وتقديم نموذج فريد للرعاية الصحية الحديثة، خاصة في بيئة معقدة مثل موسم الحج.
من جهته، عبّر المدير التنفيذي لتجمع مكة الصحي، الدكتور دلدار الشريف، عن فخره بهذا الإنجاز، مشيرًا إلى أن المشروع يمثل خطوة مهمة في مسار التحول الرقمي لوزارة الصحة، وأضاف أن نقل الأدوية عبر الدرون يُعد أحد التطبيقات الواعدة التي يجري العمل على تطويرها وتوسيع نطاق استخدامها مستقبلًا، بما يشمل تغطية مناطق أخرى خارج نطاق المشاعر المقدسة، لا سيما في المناطق النائية والوعرة.
وأكد الشريف أن نجاح هذه التجربة لم يكن ليتحقق لولا الدعم الكبير الذي حظيت به من القيادة، والمتابعة المباشرة من وزارة الصحة، وحرص جميع الشركاء من القطاعات المختلفة على تهيئة البيئة التنظيمية والتشغيلية التي تسمح بتجريب هذا النوع من التكنولوجيا المتقدمة في وقت حرج وظروف دقيقة مثل موسم الحج.
ويمثّل إدخال الطائرات المسيّرة في نقل الأدوية تحولًا لافتًا في أسلوب تقديم الخدمات الصحية خلال موسم الحج، حيث يوفر هذا النهج إمكانية التعامل مع الازدحام المروري وتوفير الوقت، ما يمنح العاملين في القطاع الصحي القدرة على التركيز أكثر على رعاية المرضى بدلاً من الانشغال بالمهام اللوجستية، كما أن هذه الخطوة تأتي في سياق جهود أوسع تهدف إلى توظيف الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة لتحسين الكفاءة التشغيلية والارتقاء بالخدمات المقدمة لحجاج بيت الله الحرام.
ولم يكن اختيار المشاعر المقدسة لتنفيذ هذه التجربة عشوائيًا، بل جاء لما تمثّله من تحديات كبيرة على صعيد الكثافة البشرية والضغط الشديد على المرافق الطبية، ويأمل المسؤولون في أن تُشكّل هذه التجربة نواة لتعميم هذا النمط من الخدمات مستقبلاً، بالتوازي مع تحديث الأنظمة الصحية واستحداث حلول تكنولوجية جديدة تستجيب لمتطلبات الرعاية الصحية الطارئة والموسمية في المملكة.
وتخطط الجهات المعنية حاليًا لتقييم شامل للتجربة وتحليل البيانات المستخلصة منها لتحديد أفضل الممارسات وتجاوز أي تحديات ظهرت أثناء التنفيذ، ما يفتح المجال أمام اعتماد الطائرات المسيّرة كأداة لوجستية فعالة يمكن الاعتماد عليها ليس فقط في موسم الحج، بل على مدار العام في المناطق التي يصعب الوصول إليها أو تتطلب استجابة طبية عاجلة.