اشتدّت وتيرة التنافس بين المنتخبات الآسيوية في طريقها إلى كأس العالم 2026، بعد أن اكتمل عقد المنتخبات الستة المتأهلة إلى المرحلة الرابعة من التصفيات المشتركة، والتي تمثّل المحطة قبل الأخيرة في سباق الوصول إلى الحلم العالمي، ومع نهاية المرحلة الثالثة، تأكد أن القارة الآسيوية ستشهد واحدة من أكثر الملاحم الرياضية سخونة في السنوات الأخيرة، إذ تبرز أسماء ثقيلة في سماء الكرة الآسيوية، تتهيأ لخوض مواجهات من العيار الثقيل بحثًا عن بطاقة العبور إلى العرس الكروي العالمي.
وقد جاءت قائمة المنتخبات المتأهلة إلى المرحلة الرابعة، بعد مشوار طويل حافل بالتحديات، حيث تصدرت مشاهد الإثارة مباريات حاسمة كانت نتيجتها فاصلة في حسم مصير التأهل، مما أضفى طابعًا دراميًا وشغفًا جماهيريًا كبيرًا في مختلف أرجاء القارة، وتمثّل المنتخبات الستة صفوة القارة في الوقت الراهن، إذ جمعت بين الأداء الفني العالي والاستقرار التكتيكي، إلى جانب القاعدة الجماهيرية الواسعة التي ترافقها في كل ظهور.
هذه المرحلة، التي تنطلق خلال الأشهر القليلة المقبلة، ستكون مفصلية في تحديد مصير المشاركات الآسيوية في كأس العالم، حيث ستُوزع المنتخبات إلى مجموعتين، يتأهل من كل مجموعة أول فريقين مباشرة إلى كأس العالم 2026، فيما يدخل المنتخبان صاحبا المركز الثالث في كل مجموعة إلى ملحق قاري، يتحدد على ضوئه فرص التأهل عبر البوابة التكميلية، ويُنتظر أن تكشف القرعة المرتقبة عن تشكيلتين ناريتين، قد تضع كبار القارة وجهًا لوجه منذ البداية.
ويُلاحظ أن تركيبة المنتخبات المتأهلة تعكس تطورًا كبيرًا في كرة القدم الآسيوية، إذ بات واضحًا أن الفوارق الفنية والتكتيكية تقلصت بشكل لافت، وأن معايير التأهل لم تعد حكرًا على المنتخبات التقليدية، بل إن بعض المنتخبات الصاعدة استطاعت أن تحجز لنفسها مكانًا بين الصفوة بفضل العمل الفني طويل الأمد، والاستثمار في العناصر الشابة والمدربين أصحاب الرؤية الحديثة.
ورغم أن منتخبات مثل اليابان وكوريا الجنوبية وإيران ما زالت تمثّل العناوين الأبرز في القارة، إلا أن بقية المقاعد شهدت منافسة شرسة من منتخبات مثل أوزبكستان والعراق والسعودية وقطر، مما يؤشر إلى مرحلة جديدة من التحول في موازين القوى الكروية، ويؤكد أن الطريق إلى كأس العالم لم يعد سهلًا، حتى على أصحاب التاريخ الطويل، ومن هذا المنطلق، باتت المرحلة الرابعة هي المسرح الحقيقي للاختبار، حيث لا مجال للأخطاء، وكل نقطة تُحسب بمثابة خطوة نحو البطولة العالمية.
ومن المؤكد أن المنتخبات الستة المتأهلة ستكون مطالبة ليس فقط بالحفاظ على النسق الفني الذي قدّمته خلال المرحلة السابقة، بل أيضًا برفع مستوى الجاهزية البدنية والذهنية، لأن طبيعة المرحلة المقبلة تختلف كليًا من حيث عدد المباريات، ونوعية المنافسين، والضغوط الجماهيرية والإعلامية المصاحبة، كما سيكون للعب على أرض محايدة في بعض الحالات أو السفر لمسافات طويلة، تأثير مباشر على جاهزية اللاعبين.
وسيكون للجماهير دور محوري في هذه المرحلة، إذ تعوّل المنتخبات كثيرًا على الحضور الكثيف والدعم المعنوي، خصوصًا في المباريات المفصلية التي تقام على ملاعبها، كما تلعب الروح الوطنية والانضباط التكتيكي دورًا حاسمًا في تحديد الفوارق، حيث أن الكثير من المباريات في هذه المرحلة تُحسم بتفاصيل صغيرة، لا تترك مجالًا للارتجال أو العشوائية، وبالتالي فإن كل منتخب سيدخل هذه الجولة مدفوعًا بطموحات شعب، لا بمجرد رغبة في التأهل.
أما على الصعيد الفني، فمن المرجّح أن تشهد المرحلة الرابعة استخدام تقنيات متقدمة في تحليل الأداء، والاستفادة من التحليلات الرقمية المتعمقة لفهم نقاط القوة والضعف لدى المنافسين، كما أن عدّة منتخبات باتت تعتمد على محترفين ينشطون في الدوريات الأوروبية الكبرى، وهو ما يرفع من مستوى الاحتكاك الدولي، ويُضيف بعدًا تكتيكيًا مختلفًا على مجريات اللعب.
ولا يمكن الحديث عن هذه المرحلة دون الإشارة إلى الضغط الإعلامي الكبير المصاحب لها، حيث يُراقَب كل قرار فني أو إداري بدقة، وتتحوّل وسائل التواصل الاجتماعي إلى منصات للنقاش والنقد والتشجيع، ما يستوجب من الأجهزة الإدارية والإعلامية للمنتخبات أن تُحسن إدارة هذه الأجواء المشحونة، وتوجّه رسائلها بما يخدم استقرار الفريق ورفع معنويات لاعبيه.
ومع اقتراب صافرة البداية، يترقّب عشاق الكرة في آسيا والعالم تلك المواجهات الكبرى التي ستكشف عن هوية المنتخبات التي سترفع راية القارة في مونديال 2026، إنها المرحلة التي تُلخّص الحلم والطموح والعمل، وتضع الكبار في مواجهة الحقيقة، وتمنح الطامحين فرصة لكتابة التاريخ، وستظلّ الأعين شاخصة نحو الملاعب، في انتظار إعلان المتأهلين رسميًا إلى أكبر محفل كروي في العالم.