في مشهد يعكس دقة التخطيط وسلاسة التنفيذ، تسير رحلات قطار المشاعر المقدسة هذا العام بانسيابية ملحوظة دون تسجيل أي حالات تدافع أو اختناقات بشرية، رغم الكثافة العالية لحجاج بيت الله الحرام خلال تنقلهم بين منى ومزدلفة وعرفات، ويأتي هذا الأداء المتقن في ظل منظومة متكاملة من التنسيق الأمني والفني، إلى جانب الجهود المبذولة من مختلف القطاعات المعنية بتنظيم الحج، وفي مقدمتها هيئة تطوير منطقة مكة المكرمة ووزارة النقل والخدمات اللوجستية.
وقد أثبت قطار المشاعر، الذي يعد من أبرز المشروعات النوعية التي خصصتها المملكة لخدمة الحجاج، كفاءته العالية في إدارة حركة الحشود في أصعب الأيام، من خلال تقديم وسيلة نقل سريعة وآمنة تضمن انتقال مئات الآلاف من الحجاج في مدد زمنية قصيرة، وبأعلى معايير الراحة والسلامة، وتؤكد مصادر ميدانية أن مسارات القطار تم تفعيلها منذ الساعات الأولى بمرونة ملحوظة، وسط التزام تام من قبل الحجاج، وإشراف مباشر من الفرق التشغيلية التي تتوزع في كل محطة وعلى طول المسارات.
وتعمل الجهات المختصة على تنظيم الصعود والنزول إلى عربات القطار عبر تقسيم الحجاج إلى مجموعات حسب الجداول الزمنية المقررة، وذلك بالتنسيق مع مؤسسات الطوافة وشركات حجاج الداخل، ما أسهم في تقليل أوقات الانتظار، ومنع الازدحام، والمحافظة على سلامة الجميع، وقد جُهزت محطات القطار بكوادر بشرية مدربة، إضافة إلى شاشات إرشادية متعددة اللغات توضح مواعيد الرحلات وخطوط السير، فضلاً عن توفير خدمات الإسعاف الأولي والإسناد الأمني في جميع النقاط الحيوية.
وفي سياق موازٍ، تتابع الجهات الصحية الأوضاع الميدانية باهتمام بالغ، خاصة فيما يتعلق بالإجهاد الحراري، في ظل درجات الحرارة المرتفعة التي قد تؤثر على كبار السن والمرضى والنساء، وتعمل وزارة الصحة بالتعاون مع هيئة الهلال الأحمر السعودي على نشر فرق متنقلة في المحطات الرئيسة والممرات المؤدية إليها، كما تم تخصيص فرق طبية داخل بعض عربات القطار نفسها، لضمان سرعة الاستجابة لأي طارئ صحي قد يحدث خلال التنقل.
وأكدت وزارة الصحة أن إجمالي الحالات التي تم رصدها من الإجهاد الحراري ما تزال محدودة، ويتم التعامل معها وفق البروتوكولات الوقائية المعتمدة، التي تشمل التبريد السريع، وتوفير السوائل، والعناية الطبية الفورية، كما دعت الوزارة عموم الحجاج إلى ضرورة اتباع الإرشادات الصحية المعلنة، والتي تتضمن ارتداء المظلات، وشرب الماء بكميات كافية، والابتعاد عن المشي تحت أشعة الشمس المباشرة قدر الإمكان، لا سيما خلال ساعات الظهيرة.
ويُعد قطار المشاعر من المشاريع الإستراتيجية التي تهدف إلى تسهيل تنقلات الحجاج وتقليل الاعتماد على الحافلات التقليدية، ما يسهم في تقليل الازدحام على الطرق، وخفض الانبعاثات البيئية، وتوفير تجربة حج أكثر أمانًا وتنظيمًا، ويغطي القطار تسع محطات موزعة على عرفات ومزدلفة ومنى، ويربط بينها بخط مزدوج بطول يزيد عن 18 كيلومترًا، ويخدم أكثر من 350 ألف حاج خلال أيام التشريق.
وتشير التقارير التشغيلية إلى أن التنسيق المسبق مع الجهات الأمنية والخدمية، واستخدام أنظمة المراقبة الذكية، كان لهما دور فاعل في ضمان انسيابية الحركة ومرونة التعامل مع أي مستجدات طارئة، كما تم تعزيز كفاءة النقل من خلال الجدولة الدقيقة لحركة القطار، وتخصيص أوقات لكل فوج على حدة، وفق معايير علمية أُخذ فيها بعين الاعتبار عدد الأفراد، ووقت الرمي، وظروف الطقس.
من جهة أخرى، عبّر عدد من الحجاج عن رضاهم الكامل تجاه خدمات القطار، مشيدين بسهولة الوصول، ودقة المواعيد، وسرعة الرحلات، وغياب أي مظاهر ازدحام مزعجة، وأكدوا أن هذه الخدمة ساهمت في تخفيف معاناة التنقل في المشاعر، ووفرت لهم فرصة أداء النسك بروحانية وطمأنينة دون عناء التنقل التقليدي الذي كان يستغرق ساعات طويلة في الأعوام الماضية.
وتمثل هذه النجاحات في تشغيل قطار المشاعر صورة واضحة للتكامل بين مختلف الجهات الحكومية والخدمية، حيث يُترجم هذا التناغم في صورة واقع ملموس، يُسهم في تحسين تجربة الحاج، ويعكس تطور الخدمات اللوجستية والتقنية المقدمة ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030، التي تسعى إلى جعل رحلة الحج أكثر سهولة ويسرًا وجودة، مع المحافظة على سلامة الإنسان وكرامته.
وتؤكد هذه الإنجازات أن المملكة ماضية في تطوير منظومة الحج عامًا بعد عام، عبر الاستثمار في البنية التحتية الذكية، والتخطيط التشغيلي الدقيق، والحرص على تطبيق أعلى معايير الجودة في الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، بما يعكس مكانتها الريادية في خدمة الإسلام والمسلمين من مختلف أنحاء العالم.