الأرصاد تُكثف رصد الأجواء في الجمرات والمسجد الحرام ضمن خطتها التشغيلية
الأرصاد تُكثف رصد الأجواء في الجمرات والمسجد الحرام ضمن خطتها التشغيلية
كتب بواسطة: محمد الخوري |

فعّلت الهيئة العامة للأرصاد الجوية في المملكة العربية السعودية المرحلة الثالثة من خطتها التشغيلية لرصد الأجواء المناخية في منطقة المشاعر المقدسة، وذلك ضمن إطار استعداداتها المكثفة لموسم حج هذا العام، وتركّز هذه المرحلة على مراقبة الأوضاع الجوية في مواقع حساسة وحيوية مثل منشأة الجمرات وساحات المسجد الحرام، بهدف توفير معلومات دقيقة ولحظية تسهم في تعزيز سلامة الحجاج وتنظيم الحشود وتيسير أداء المناسك في بيئة مناخية مدروسة.

وتأتي هذه الخطوة ضمن سلسلة إجراءات تنفّذها الهيئة منذ بداية شهر ذي القعدة، وذلك في إطار خطة تشغيلية متكاملة تتكون من عدة مراحل متصاعدة، وقد رُوعي في إعداد هذه الخطة الطبيعة الخاصة لموسم الحج، من حيث كثافة أعداد الزوار، وتنوّع جنسياتهم، والحاجة إلى جاهزية معلوماتية عالية المستوى لضمان سرعة الاستجابة لأي تغير مناخي مفاجئ قد يؤثر على سلامة الحجاج أو على سير الخطة التنظيمية الموضوعة من الجهات المعنية.

وأكدت الهيئة أن المرحلة الثالثة من الخطة التشغيلية تركز على تكثيف عمليات الرصد والتحليل في أكثر المواقع ازدحامًا وحساسية، خاصةً منشأة الجمرات التي تشهد في أيام التشريق توافد مئات الآلاف من الحجاج، إلى جانب المسجد الحرام وساحاته التي تبقى عامرة بالحجاج ليل نهار، وتشمل عمليات الرصد قياس درجات الحرارة والرطوبة، وسرعة الرياح، ومستويات الأشعة الشمسية، إلى جانب متابعة احتمالات تكون السحب الرعدية أو الأمطار.

وتعتمد الهيئة في تنفيذ خطتها التشغيلية على منظومة متطورة من التقنيات الحديثة، تشمل رادارات الطقس، ومحطات أرصاد متنقلة وثابتة، بالإضافة إلى استخدام صور الأقمار الصناعية ونماذج تنبؤية رقمية متقدمة، وتتكامل هذه الوسائل التقنية مع فرق بشرية مؤهلة تعمل على مدار الساعة في مركز العمليات والتحكم، وتنسق مع الجهات ذات العلاقة في مركز إدارة الأزمات والكوارث بإمارة منطقة مكة المكرمة.

وقد شددت الهيئة على أهمية هذه المرحلة نظرًا لأنها تتزامن مع اقتراب دخول الحجاج إلى منى لرمي الجمرات، حيث يُعد هذا الموقع من أكثر المناطق حساسية مناخيًا وجغرافيًا، ما يستدعي جاهزية معلوماتية دقيقة تساعد في اتخاذ قرارات فورية عند الحاجة، كما تُسهم هذه البيانات في دعم الجهات الأمنية والصحية والخدمية التي تعمل في الميدان، بما يضمن انسيابية الحركة وتقليل المخاطر المحتملة الناتجة عن ظروف الطقس، سواء كانت موجات حر شديدة أو رياحًا نشطة قد تؤثر على الخيام والمرافق المؤقتة.

وفي ظل التغيرات المناخية الإقليمية والدولية التي بدأت تفرض نفسها بقوة في السنوات الأخيرة، ترى الهيئة العامة للأرصاد أن تعزيز الجاهزية التقنية والاعتماد على البيانات الرقمية الدقيقة أصبح ضرورة لا ترفًا، وتؤكد الهيئة أن خطتها التشغيلية لموسم الحج هذا العام نُفذت وفق أعلى المعايير الفنية، مع مراجعة دورية لتحديث النماذج التنبؤية، وضمان توافقها مع الظروف المتغيرة في منطقة المشاعر.

وأوضح المتحدث الرسمي للهيئة أن المعلومات المناخية التي تُجمع في هذه المرحلة تُرسل بشكل لحظي إلى الجهات الميدانية، وتُبنى عليها قرارات تشغيلية مهمة تتعلق بجدولة حركة الحجاج، وتوزيع الخدمات، وتحديد أولويات التدخل في حالات الطوارئ، كما أشار إلى أن الهيئة تُصدر تقارير محدثة بشكل مستمر، يتم مشاركتها مع مركز القيادة والسيطرة لأمن الحج، بهدف المساعدة في التنسيق بين مختلف الجهات الحكومية.

ولم تقتصر جهود الهيئة على الجانب الفني والتقني، بل شملت أيضًا تنظيم حملات توعية ميدانية وإعلامية موجهة للحجاج ومقدمي الخدمة، حيث جرى توزيع منشورات رقمية ومطبوعة تحتوي على إرشادات وقائية للتعامل مع موجات الحر، وطرق تجنب الإجهاد الحراري، إضافة إلى توفير تنبيهات آنية عبر الرسائل النصية ومنصات التواصل الاجتماعي، باللغات التي يفهمها الحجاج القادمون من مختلف دول العالم.

ويرى المتابعون أن خطوة تفعيل المرحلة الثالثة من خطة الأرصاد تمثل نقطة تحول في مفهوم إدارة موسم الحج من خلال التنبؤ الاستباقي بالأخطار المناخية، وهو ما يضع المملكة في مصاف الدول التي تعتمد على علوم الأرصاد الجوية كرافعة رئيسية للتخطيط الحضري والتنظيم اللوجستي في الفعاليات الجماهيرية الكبرى، كما تعكس هذه الجهود تناغمًا ملحوظًا بين مختلف الجهات الحكومية التي تعمل ضمن منظومة تنسيقية هدفها النهائي سلامة ضيوف الرحمن.

ويأتي هذا الحراك منسجمًا مع رؤية المملكة 2030، التي تُولي أهمية بالغة للتحول الرقمي والاستفادة من التقنيات الحديثة في القطاعات كافة، بما في ذلك خدمات الحج والعمرة، وتُعتبر الهيئة العامة للأرصاد أحد أبرز النماذج الوطنية التي تسهم في تحقيق هذا التحول من خلال توظيف المعرفة المناخية لخدمة الإنسان، خاصة في أقدس بقاع الأرض، وفي موسم هو الأضخم عالميًا من حيث التجمع البشري في مكان وزمان محددين.