سجلت أسعار النفط ارتفاعًا ملحوظًا خلال تعاملات اليوم الثلاثاء، وسط ترقب عالمي لمسار المحادثات التجارية الجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية، والتي قد تُسهم في تخفيف حدة التوترات الاقتصادية بين أكبر اقتصادين في العالم، بما يعزز من توقعات تحسن الطلب العالمي على مصادر الطاقة، وفي مقدمتها النفط الخام.
وتزامن هذا الارتفاع مع تحسن ملحوظ في معنويات المستثمرين والمتعاملين في الأسواق العالمية، في ضوء مؤشرات إيجابية بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق تجاري يُنهي حالة عدم اليقين التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد العالمي في الآونة الأخيرة، وأسهمت هذه التوقعات في دعم أسعار النفط التي واصلت تسجيل مكاسبها، متأثرة أيضًا بتحركات فنية في أسواق العقود الآجلة.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت القياسي، الذي يُعد مرجعًا دوليًا لأسعار النفط، ليصل سعر البرميل إلى مستوى 67.16 دولارًا، وسط تداولات نشطة عززها مناخ تفاؤلي ناتج عن توقعات بتحقيق تقدم في المحادثات الثنائية بين واشنطن وبكين، وفي السياق ذاته، ارتفع خام غرب تكساس الوسيط، وهو الخام الأمريكي المرجعي، ليبلغ سعر البرميل 65.42 دولارًا، مقتربًا من أعلى مستوى له منذ الرابع من أبريل الجاري، وهو اليوم الذي سجّل فيه الخام أعلى سعر منذ بداية الربع الثاني من العام.
وقد سبق هذا الصعود استمرار موجة الارتفاع التي شهدها السوق خلال جلسة أمس الاثنين، حيث بلغ خام برنت 67.19 دولارًا للبرميل، وهو أعلى سعر يسجله منذ الثامن والعشرين من أبريل، مدعومًا بإشارات قوية تُرجّح حدوث انفراجة قريبة في ملف النزاع التجاري الذي استمر لعدة أشهر بين الولايات المتحدة والصين، وأثر سلبًا على توقعات النمو الاقتصادي العالمي، وبالتالي على مستويات الطلب على النفط.
وفي تصريحات له مساء الاثنين، أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تفاؤله حيال التقدم المحرز في المفاوضات مع الجانب الصيني، مؤكدًا أن المحادثات تسير بشكل جيد خلال الاجتماعات التي عُقدت في العاصمة البريطانية لندن، وأضاف ترامب أنه يتلقى تقارير إيجابية من فريقه التفاوضي، مشددًا على أن الجهود المبذولة تسير في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق تفاهم مشترك يُنهي الخلافات القائمة ويعيد الاستقرار إلى العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
ويأتي هذا التحسن في أسعار النفط في وقت تُظهر فيه بيانات اقتصادية مؤشرات تعافي تدريجي في عدد من الاقتصادات الكبرى، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على التوقعات المتعلقة بالطلب على الطاقة، ويُعد النفط من أبرز السلع التي تتأثر بالمتغيرات السياسية والاقتصادية، لا سيما في ظل العلاقة الوثيقة بين النمو الاقتصادي العالمي ومعدلات الاستهلاك النفطي.
كما أن استمرار الحديث عن احتمال تقليص القيود التجارية بين الولايات المتحدة والصين من شأنه أن يدفع بالنشاط الصناعي والتجاري العالمي نحو مستويات أفضل، الأمر الذي قد ينعكس على زيادة الطلب على النفط الخام ومشتقاته في الأسواق المختلفة، ويؤكد محللون في هذا السياق أن أي مؤشرات إيجابية على صعيد العلاقات التجارية الدولية، خاصة بين الدول ذات الاقتصادات المؤثرة، تكون لها تداعيات فورية على أسعار السلع الأساسية، وفي مقدمتها النفط.
ويرى مختصون في شؤون الطاقة أن الأسعار الحالية تعكس مزيجًا من العوامل الفنية والاقتصادية، بينها تراجع مستوى المخزونات في بعض الدول المستهلكة، إلى جانب التفاؤل الذي يسود الأسواق حاليًا، كما أن ارتفاع الأسعار إلى هذه المستويات يُعد إشارة واضحة إلى أن السوق بدأت تتفاعل مع التوقعات المستقبلية بإيجابية، وهو ما يفتح المجال أمام مزيد من المكاسب في حال تحققت هذه التوقعات.
ومن العوامل الأخرى التي دعمت الاتجاه الصعودي للأسعار، ما يتم تداوله حول احتمال تراجع مستويات الإنتاج في بعض المناطق المنتجة، سواء نتيجة اضطرابات جيوسياسية أو قرارات فنية من قبل المنتجين الكبار، ويُضاف إلى ذلك احتمالات بقاء سياسة التقييد في الإنتاج قائمة، خاصة من جانب تحالف «أوبك بلس»، الذي يضم كبرى الدول المنتجة من داخل منظمة أوبك وخارجها، والذي يستمر في مراقبة الأسواق بعناية لضمان تحقيق التوازن بين العرض والطلب.
ورغم حالة التفاؤل، إلا أن بعض المحللين يرون أن استمرار هذا الارتفاع مرهون بتحقق تقدم ملموس في المحادثات الأمريكية الصينية، مع التحذير من أن أي تعثر أو تباطؤ في هذا الملف قد يعيد الأسواق إلى حالة التذبذب، فأسواق النفط، كما هو معروف، تتسم بحساسيتها العالية للتطورات الجيوسياسية والاقتصادية، وهو ما يجعل المستثمرين والمتعاملين يتابعون عن كثب كل ما يصدر عن الأطراف الفاعلة في هذا السياق.
ويجدر الإشارة إلى أن الأسواق العالمية قد شهدت خلال الأشهر الماضية موجة من التقلبات الحادة، نتيجة تراكم المخاوف المرتبطة بالتباطؤ الاقتصادي العالمي، والصراعات التجارية، والتحديات الجيوسياسية، ومع ذلك، فإن أي خطوات نحو تسوية الخلافات الدولية، لا سيما بين واشنطن وبكين، تُعد بمثابة بارقة أمل للأسواق، وقد تعيد الاستقرار إلى أسعار الطاقة وتحفّز على تحقيق مستويات نمو أفضل على الصعيد العالمي.
وفي ضوء ما تقدم، يبقى المشهد النفطي مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بتطورات الملف التجاري بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر عالميًا، وإذا ما تمكّنت المفاوضات من تحقيق اختراق فعلي، فإن من شأن ذلك أن يُحدث تأثيرًا إيجابيًا على مجمل مؤشرات الاقتصاد العالمي، بما في ذلك أسعار النفط التي تُعد ركيزة أساسية في الاقتصاد العالمي وسوق الطاقة الدولية.
وبذلك، فإن التحركات الحالية في السوق لا تعكس فقط تفاعلات لحظية، وإنما تؤشر إلى آمال أوسع بتحقيق انفراجة حقيقية في المشهد الاقتصادي الدولي، وهو ما سيكون له تأثير طويل المدى على أسعار الطاقة والسلع الاستراتيجية.