في قلب المشهد الإيماني لموسم الحج، حيث تتجلى أسمى صور التضحية والتجرد، تتسابق الأيادي والمؤسسات لتقديم العون لضيوف الرحمن، لتنسج معاً لوحة متكاملة من التكافل الإنساني، وفي طليعة هذا الحراك الخيري المنظم، برزت المنصة الوطنية للعمل الخيري "إحسان" كقوة دافعة ونموذج فريد يجسد كيف يمكن للتكنولوجيا أن تخدم القيم الإنسانية النبيلة، فمع إسدال الستار على موسم حج هذا العام، لم تكن أرقام "إحسان" مجرد إحصائيات، بل كانت قصصاً مؤثرة عن الأمل والإيثار، حيث أعلنت عن تقديمها لأكثر من نصف مليون وجبة غذائية للحجاج، وتكفلها بتحقيق حلم أداء الفريضة لأكثر من 900 حاج وحاجة، في إنجاز يبرهن على عمق الثقة المجتمعية وفاعلية العطاء الرقمي.
إن مبادرة توفير ما يزيد على نصف مليون وجبة تتجاوز كونها عملاً خيرياً لتلبية حاجة أساسية، لتمثل تجسيداً عملياً لقيمة إكرام ضيف الرحمن التي تعد جزءاً لا يتجأ من ثقافة خدمة الحجيج، ففي ظل المجهود البدني الكبير الذي يبذله الحجاج خلال تنقلهم بين المشاعر، تأتي هذه الوجبات كلحظة من الراحة والدعم، وتزيل عن كاهلهم همّ تدبير الطعام، وتتيح لهم التفرغ الكامل للعبادة والسكينة، إن القدرة على تنظيم وتوزيع هذا العدد الهائل من الوجبات بكفاءة عالية يعكس قوة البنية التحتية اللوجستية التي تعتمد عليها "إحسان"، ويضمن وصول الدعم مباشرة إلى مستحقيه في الأوقات والأماكن المناسبة، محولةً كرم المحسنين إلى دعم ملموس ومباشر.
وإذا كانت الوجبات تسد جوع البطون، فإن مبادرة "هدية الحج" التي تكفلت من خلالها المنصة بأداء فريضة الحج لأكثر من 900 شخص، تسد جوع الأرواح وتحقق أحلام العمر، فبالنسبة للكثيرين حول العالم، يظل الحج أمنية غالية ومنتهى الأمل، قد تقف الظروف المادية عائقاً أمام تحقيقها لسنوات طويلة، وهنا يأتي دور "إحسان" لتحويل هذا الحلم إلى حقيقة، واصلةً بين كرم المتبرعين وشوق المستحقين الذين تم اختيارهم بعناية وفقاً لمعايير دقيقة تضمن وصول هذا العطاء النبيل لمن هم في أمس الحاجة إليه، إن فرحة هؤلاء الحجاج لا تقدر بثمن، وقصصهم تمثل شهادة حية على الأثر العميق الذي يمكن للعمل الخيري المنظم أن يحدثه في حياة الأفراد.
يكمن سر نجاح "إحسان" وقدرتها على تحقيق هذه الأرقام القياسية في نموذج عملها المبتكر الذي يرتكز على الشفافية والثقة والتقنية، فالمنصة، التي تعمل تحت إشراف الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، لا تمثل مجرد قناة لجمع التبرعات، بل هي منظومة متكاملة تضمن وصول كل ريال من المتبرع إلى وجهته الصحيحة بأقصى درجات الكفاءة والموثوقية، هذا النموذج الرقمي المتطور سهل على أفراد المجتمع والمؤسسات عملية التبرع، وجعلها متاحة للجميع بضغطة زر، وعزز من ثقة المحسنين بأن عطاءهم يصل كاملاً ويحدث الأثر المرجو، مما أدى إلى هذا التدفق السخي من التبرعات.
إن هذه الإنجازات ليست نتاج جهود منصة "إحسان" وحدها، بل هي ثمرة كرم المجتمع السعودي بأسره، من مواطنين ومقيمين وشركات، الذين وجدوا في "إحسان" بوابتهم الموثوقة لعمل الخير، إنها قصة نجاح جماعية تعكس تكاتف المجتمع وقيمه الراسخة في العطاء والتراحم، فكل وجبة قُدمت، وكل حجة تم التكفل بها، هي في الحقيقة صدقة من محسن أراد الأجر، وقامت "إحسان" بدور الممكن والمنظم لإيصال هذا الخير إلى غايته النبيلة، في حلقة متكاملة من العطاء الذي يربط بين أطراف المجتمع.
ويبرز هذا الدور المحوري لمنصة "إحسان" كأحد التجليات العملية لرؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى تعزيز دور القطاع غير الربحي ورفع مساهمته في التنمية المجتمعية، بالإضافة إلى تسخير التحول الرقمي لخدمة كافة جوانب الحياة، إن استخدام البيانات والذكاء الاصطناعي في إدارة العمل الخيري لا يرفع من كفاءته فحسب، بل يفتح آفاقاً جديدة للوصول إلى المحتاجين وتلبية متطلباتهم بشكل أكثر دقة وسرعة، وهو ما تقدم فيه "إحسان" نموذجاً رائداً على مستوى العالم.
وفي السياق الأوسع لجهود المملكة في خدمة الحج، تتكامل مبادرات "إحسان" مع منظومة الخدمات الهائلة التي تقدمها كافة قطاعات الدولة لضمان سلامة الحجاج وراحتهم، فبينما تعمل الجهات الأمنية والصحية والتنظيمية على مدار الساعة، تأتي "إحسان" لتكمل هذه الجهود من الجانب الإنساني والخيري، مقدمةً الدعم الاجتماعي الذي يلامس قلوب ضيوف الرحمن ويشعرهم بأنهم محاطون بالرعاية والاهتمام من كل حدب وصوب.
في نهاية المطاف، فإن قصة نجاح "إحسان" في موسم الحج هي شهادة على أن التكنولوجيا عندما تقترن بالقيم الإنسانية الأصيلة، فإنها قادرة على صنع المعجزات، إنها قصة عن تحويل النوايا الطيبة إلى أثر ملموس، وعن بناء جسور من الثقة بين المحسن والمحتاج، وعن تحقيق أحلام كانت تبدو بعيدة المنال، وبذلك، لا تكون "إحسان" مجرد منصة رقمية، بل رمزاً للعطاء السعودي في أبهى صوره الحديثة والمبتكرة.