المدينة المنورة
الكاش "يحتضر" في المدينة المنورة.. كيف قضى الدفع الإلكتروني على التعاملات النقدية وحقق قفزة تاريخية؟
كتب بواسطة: احمد باشا |

حقق القطاع التجاري بمنطقة المدينة المنورة تطورًا لافتًا في حجم عمليات نقاط البيع خلال الربع الأخير من عام 2024، حيث تجاوز عدد العمليات 113.1 مليون عملية بيع، أجريت عبر ما يزيد عن 70,400 جهاز دفع إلكتروني موزعة على نطاق واسع من المحال التجارية والمنشآت الخدمية، مما يشير إلى انتعاش واضح في الحركة الشرائية.

هذا النمو في عمليات الدفع يعكس ارتفاعًا في الطلب الاستهلاكي وتوسعًا في نمط الإنفاق المحلي، خاصة في قطاعات التجزئة والمطاعم، التي شكّلت المحرك الأساسي لهذا النشاط المتزايد.

ويعكس هذا التحول توجهًا تدريجيًا نحو استبدال المعاملات النقدية بوسائل الدفع الرقمية الأكثر سهولة وكفاءة.

ووفقًا لتقرير أصدرته غرفة المدينة المنورة، فإن المؤشرات الاقتصادية تؤكد على وجود منحنى تصاعدي واضح في استخدام نقاط البيع خلال السنوات الخمس الماضية.

إذ سجلت المدينة نحو 48.5 مليون عملية فقط خلال الربع الأول من عام 2021، من خلال نحو 30,600 جهاز، مقارنة بالقفزة الكبيرة في أعداد العمليات والأجهزة بحلول نهاية 2024.

كما أظهر التقرير أن عدد أجهزة الدفع الإلكتروني شهد نموًا ملحوظًا بنسبة 130% خلال الفترة ما بين عامي 2021 و2024، ما يعكس جهود التوسع في البنية التحتية الرقمية التجارية، واستجابة السوق المحلية للطلب المتزايد على وسائل الدفع الحديثة المدعومة بتقنيات عالية.

ويُعزى هذا التوسع جزئيًا إلى الانتشار المتسارع للمتاجر والمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي باتت تعتمد بشكل شبه كامل على الدفع الإلكتروني كخيار رئيسي في تعاملاتها مع العملاء، بما في ذلك المتاجر التقليدية والمراكز التجارية الكبرى والمطاعم والمقاهي.

ومن العوامل المحفزة لهذا النمو أيضًا، التسهيلات الحكومية الواسعة التي ساهمت في تشجيع اعتماد وسائل الدفع الرقمية، عبر مبادرات متنوعة هدفت إلى تعزيز التحول الرقمي، وتقديم الدعم الفني واللوجستي للمنشآت التجارية الصغيرة والمتوسطة.

وأشار التقرير إلى أن تبني منظومة الدفع الإلكتروني لم يكن مجرد خيار اقتصادي، بل أصبح ضرورة لرفع كفاءة البيئة التجارية وتحقيق مستويات عالية من الشفافية، إضافة إلى تعزيز أمان المعاملات المالية، وتقليل الاعتماد على النقد في السوق المحلي.

وقد لعبت مواسم الحج والعمرة دورًا مؤثرًا في تحفيز هذا التحول، لا سيما مع ازدياد أعداد الزوار إلى المدينة المنورة، ما عزز من حركة البيع والشراء في مختلف القطاعات، ورفع من معدل إنفاق الزوار داخل المدينة، خصوصًا في مجالات الإقامة، والتغذية، والتجزئة.

وفيما يتعلق بالجانب التنظيمي، كشفت الإحصاءات أن عدد السجلات التجارية العاملة في قطاع الجملة والتجزئة بالمدينة المنورة ارتفع بنسبة 55% خلال خمس سنوات فقط، حيث قفز من 27,123 سجلًا في عام 2019 إلى أكثر من 41,939 سجلًا تجاريًا بنهاية 2024.

ويمثل هذا القطاع الحيوي حاليًا أحد الأعمدة الرئيسية لسوق العمل في المدينة، إذ يضم أكثر من 77 ألف عامل، أي ما يقارب 20% من إجمالي القوى العاملة بالمنطقة، ليحتل المرتبة الثانية بعد قطاع البناء والتشييد من حيث عدد العاملين.

ويبدو أن هذا النمو الاقتصادي لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة تراكمات لسياسات اقتصادية وتنظيمية متكاملة، ساعدت في توفير بيئة مشجعة للاستثمار، وتهيئة الأرضية المناسبة لنمو المشروعات، وتفعيل أدوات التمويل والدعم الرقمي والتحفيز الإداري.

من جهة أخرى، يُعتبر ارتفاع الإنفاق على المنتجات والخدمات، خاصة في فترات الذروة السياحية والدينية، مؤشرًا حيويًا على انتعاش السوق، وتعافي القوة الشرائية لدى المواطنين والمقيمين والزائرين، بما يعكس التحسن في مستويات الدخل والرفاه الاقتصادي.

كما أن صعود ثقافة التجارة الإلكترونية في المدينة المنورة ساهم في تسريع وتيرة هذا النمو، حيث أضحى الكثير من التجار يتجهون نحو دمج التجارة الرقمية في عملياتهم اليومية، مما زاد من كفاءة الخدمات، ورفع من سقف التوقعات لدى المستهلكين.

ويرى مراقبون أن الاستمرار في تعزيز البنية التحتية الرقمية، بالتزامن مع تحفيز الأنشطة التجارية التقليدية، سيخلق توازنًا مثاليًا بين أنماط التجارة، ويعزز من مرونة السوق أمام التغيرات المستقبلية سواء الاقتصادية أو التقنية.

وفي ظل هذه المؤشرات، يتوقع أن يواصل القطاع التجاري في المدينة المنورة مساره التصاعدي خلال السنوات المقبلة، مدفوعًا بعوامل النمو السكاني، وزيادة عدد الزوار، وتوسع المشاريع العمرانية والسياحية، واستمرار الدعم الحكومي لمبادرات التحول الرقمي الشامل.

الأكثر قراءة
آخر الاخبار