أطلق المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، الذراع الرسمي لمنظمة التعاون الإسلامي في مجال المالية الإسلامية، دليلًا شاملًا يرصد تأثير التحول الرقمي على البنوك الإسلامية ويوجهها للتكيف مع هذه المتغيرات الحديثة دون الإخلال بضوابط الشريعة.
ويأتي إصدار الدليل في ظل تسارع رقمي غير مسبوق يعيد تشكيل بيئة العمل المالي حول العالم.
ويهدف الدليل إلى تمكين المؤسسات المالية الإسلامية من اجتياز تحديات الرقمنة بفعالية، عبر تقديم توجيهات مدروسة تساعد على دمج الأدوات الرقمية داخل الهياكل التشغيلية، دون التفريط في خصوصية النظام المالي الإسلامي الذي يقوم على مبادئ شرعية ثابتة.
ويركز الإصدار على تحويل التحول الرقمي من "خطر محتمل" إلى "فرصة استراتيجية" تدعم النمو والاستدامة.
وتناول الدليل أبرز المخاطر التي قد تطرأ نتيجة الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا، وعلى رأسها أمن المعلومات، واستقلالية القرار الشرعي، وتحديات الامتثال للأنظمة المحلية والدولية، مؤكدًا على ضرورة تطوير أنظمة الحوكمة المؤسسية لمواكبة الواقع الجديد.
كما يقدم الدليل أدوات تقييم ذاتية تساعد المؤسسات على قياس مدى جاهزيتها الرقمية.
ويتضمن الدليل مجموعة من الدراسات العلمية المعمقة، تستعرض تجارب مؤسسات مالية إسلامية في مختلف دول العالم نجحت في تنفيذ استراتيجيات رقمية، بعضها مستوحى من نماذج البنوك التقليدية، لكن مع إعادة تكييفها لتتوافق مع الأحكام الشرعية، كما يضم الدليل مقارنات بين الأسواق الناشئة والمتقدمة في تبني الرقمنة.
وتم إعداد الدليل كمرجع تنفيذي موجه لصنّاع القرار في قطاع المالية الإسلامية، حيث يقدم إطارًا استرشاديًا مرنًا يساعد مسؤولي الابتكار الرقمي والحوكمة والتقنية على التنسيق الفعال بين الإدارات المختلفة لضمان تحول ناجح، ويهدف كذلك إلى تعزيز ثقافة الابتكار داخل المؤسسات، بوصفها أحد المحركات الرئيسية للقدرة التنافسية.
وأكد الأمين العام للمجلس العام الدكتور عبدالإله بلعتيق، أن الرقمنة لم تعد خيارًا ترفيهيًا أو اتجاهًا مرحليًا، بل أصبحت ضرورة استراتيجية لكل مؤسسة تطمح للاستمرار والنمو، خصوصًا في القطاع المالي الإسلامي الذي يواجه منافسة متزايدة، ولفت إلى أن التحول الرقمي يجب أن يتم بطريقة تراعي طبيعة هذا القطاع وأبعاده الشرعية.
وأضاف بلعتيق أن المجلس ملتزم بتقديم حلول عملية تساعد البنوك الإسلامية على دخول العصر الرقمي دون التضحية بهويتها، مشيرًا إلى أن الدليل الجديد يجسد هذا الالتزام من خلال مزج الرؤية الشرعية بالمنهج العلمي والتطبيقي، وأعرب عن ثقته في أن يكون هذا الدليل مرجعًا أساسيًا للمؤسسات التي تتطلع إلى الرقمنة المستدامة.
وشدد بلعتيق على أن المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية لن يكتفي بنشر الدليل فقط، بل سيعمل خلال الفترة المقبلة على إطلاق ورش عمل ودورات تدريبية تهدف إلى تأهيل الكوادر البشرية لتطبيق مضامين الدليل على أرض الواقع، مشيرًا إلى أهمية الاستثمار في العنصر البشري لضمان نجاح أي تحول تقني.
ويُعد هذا الدليل استمرارًا لسلسلة مبادرات يقودها المجلس العام لدعم البنوك الإسلامية وتزويدها بالأدوات المعرفية اللازمة لمواكبة التطورات التقنية المتسارعة، مع الحفاظ على أصالتها الشرعية، كما يأتي ضمن خطة استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز دور البنوك الإسلامية في النظام المالي العالمي.
ويتميّز الدليل بأنه لا يكتفي بالتنظير، بل يقدم نماذج عملية لمؤسسات نجحت في أتمتة عملياتها التشغيلية، وتطوير منتجات رقمية تتوافق مع المعايير الشرعية، مثل تطبيقات التمويل الأصغر الإسلامي، ومنصات التمويل الجماعي، والمحافظ الرقمية المصممة خصيصًا وفق الشريعة.
ومن أبرز ما يتضمنه الدليل، مقاربة جديدة للتعامل مع الابتكار، تشجع المؤسسات الإسلامية على تبنّي النماذج المرنة مثل الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات، ولكن في إطار من الحوكمة الصارمة التي تضمن الشفافية والامتثال.
كما يسلط الدليل الضوء على أهمية التعاون الإقليمي والدولي بين الهيئات المالية الإسلامية، لتبادل الخبرات وتطوير سياسات رقمية موحدة، خصوصًا في ظل وجود تباين تشريعي وتقني بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.
ويدعو المجلس من خلال هذا الإصدار إلى تبنّي نهج تدريجي في التحول الرقمي، يبدأ من التقييم الذاتي، ويمر بإعادة هيكلة البنية التحتية، ويصل إلى تصميم نماذج عمل جديدة كليًا، تعتمد على الرقمنة كأساس لا كمجرد أداة، مما يسمح بنمو متوازن وشامل.
ويؤكد المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية أن تعزيز قدرات القطاع على التكيف الرقمي ليس مجرد هدف مرحلي، بل جزء من مهمة استراتيجية كبرى تسعى لتعزيز مكانة المالية الإسلامية كخيار عالمي يتمتع بالكفاءة والعدالة والاستدامة.
ويأتي هذا الإصدار في وقت تتصاعد فيه الضغوط على المؤسسات المالية عمومًا، والإسلامية منها بشكل خاص، لتقديم خدمات أسرع وأكثر أمانًا وشفافية، وهو ما يجعل من الرقمنة عاملًا حاسمًا في قدرة هذه المؤسسات على الاحتفاظ بثقة المتعاملين والتوسع في أسواق جديدة.