كشفت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية عن نتائج رقابتها المكثفة على سوق العمل خلال الربع الأول من عام 2025، حيث نفذت فرق الرقابة الميدانية أكثر من 400 ألف زيارة شملت منشآت القطاع الخاص في مختلف مناطق المملكة، وأسفرت هذه الجولات عن ضبط أكثر من 115 ألف مخالفة لنظام العمل، في مؤشر واضح على استمرار الجهود الحكومية لتعزيز الامتثال ورفع كفاءة بيئة العمل.
وتمثل هذه الزيارات جزءًا من استراتيجية الوزارة الشاملة لمتابعة التزام المنشآت بأنظمة ولوائح العمل، حيث تسعى من خلالها إلى تحسين بيئة الأعمال، وضمان حقوق العاملين، ورفع نسب التوطين، إلى جانب دعم رؤية المملكة 2030 الرامية إلى بناء سوق عمل منتج ومستدام يعكس طموحات التنمية الاقتصادية.
وخلال هذه الحملة الواسعة، أكملت أكثر من 48 ألف منشأة خاصة إجراءات التقييم، وهو ما يشير إلى تجاوب ملموس من قطاعات متعددة مع خطط الوزارة، ويعكس وعيًا متناميًا لدى القطاع الخاص بأهمية الامتثال للأنظمة من أجل الاستمرارية والتوسع في سوق يشهد تحولات متسارعة.
وفي السياق ذاته، تلقت الفرق الرقابية أكثر من 14.6 ألف بلاغ يتعلق بمخالفات محتملة، حيث تمت معالجة هذه البلاغات بنسبة تجاوب عالية وصلت إلى 98.9%، مما يعكس كفاءة آليات التبليغ والاستجابة، ويعزز الثقة بين الوزارة والمجتمع، سواء من العاملين أو أصحاب الأعمال.
ورغم العدد المرتفع للمخالفات المرصودة، إلا أن مؤشرات الالتزام العامة جاءت مشجعة، حيث سجلت الوزارة نسبة امتثال بلغت 94% فيما يتعلق بتطبيق قرارات التوطين والقرارات الوزارية الأخرى، مما يعكس جدية العديد من المنشآت في تطبيق سياسات التوظيف الوطنية والاستجابة للتوجهات الحكومية.
كما كشفت نتائج الرقابة أن 93% من المنشآت باتت ملتزمة بالانضمام إلى برنامج حماية الأجور، وهو البرنامج الذي يمثل أحد أبرز أدوات الوزارة لضمان حقوق العاملين في القطاع الخاص، وتعزيز الشفافية في التعاملات المالية بين الأطراف داخل سوق العمل.
وتؤكد الوزارة أن ما تحقق من نتائج خلال الربع الأول يمثل خطوة كبيرة نحو تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، لا سيما في محوري رفع نسبة مشاركة الكوادر الوطنية وتحقيق الاستقرار المهني والوظيفي، إذ تُعد الامتثال للأنظمة وتنفيذ قرارات التوطين من أهم عوامل نجاح أي سوق عمل متطور.
وترى الوزارة أن وجود نظام رقابي فعال وميداني لا يقتصر على تسجيل المخالفات، بل يشمل أيضًا دعم المنشآت لتصحيح أوضاعها، وإرشادها نحو أفضل الممارسات، هو ما يجعل هذه الجولات الميدانية أكثر من مجرد إجراءات تفتيشية، بل وسيلة تطويرية تنموية.
ويأتي هذا التحرك الرقابي في ظل مساعي الوزارة الحثيثة لتطبيق مجموعة من المبادرات والسياسات الداعمة للعمالة الوطنية، مثل برامج التدريب والتأهيل وبرامج المواءمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل، وهي مبادرات تتطلب بيئة عمل منظمة تخضع للرقابة والامتثال الدقيق.
وتؤكد الوزارة أن التزام المنشآت لا يجب أن يكون بدافع تفادي العقوبات فقط، بل ينبغي أن ينبع من قناعة بأهمية التوازن بين مصلحة المنشأة وحقوق العاملين، وهو ما يمثل جوهر أي بيئة عمل مستدامة تسعى للنمو بعيدًا عن الممارسات العشوائية أو المخالفات الهيكلية.
وفي ظل التغيرات الاقتصادية المتسارعة، تؤمن الوزارة بأن الرقابة الذكية والفعالة قادرة على التكيف مع هذه التحديات، من خلال استخدام تقنيات رقمية متقدمة في جمع وتحليل البيانات، مما يعزز من القدرة على رصد المخالفات ومعالجتها في وقت قياسي دون إعاقة الأعمال.
وتعد الأرقام التي تم الكشف عنها بمثابة مرآة لوضع سوق العمل في المملكة، وهي في الوقت ذاته فرصة لتقييم أداء المنشآت، وتحديد التحديات التي تواجهها بعض القطاعات، خاصة تلك التي ما زالت تسجل نسبًا منخفضة من الامتثال أو تعاني من فجوات تنظيمية.
وتأمل الوزارة في أن تسهم هذه النتائج في تحفيز المزيد من المنشآت على الالتزام بالأنظمة، حيث إن استقرار سوق العمل ورفع جودة البيئة المهنية لا يمكن أن يتحققا إلا من خلال تعاون جميع الأطراف، سواء من الجهات الحكومية أو من أصحاب العمل والعاملين.
وتشير الوزارة إلى أن حملات الرقابة ستتواصل خلال الفترة المقبلة، مع توسيع نطاقها جغرافيًا وقطاعيًا، إلى جانب تطوير أدوات الرصد والمتابعة، بما يضمن وصول الرقابة إلى جميع المنشآت بغض النظر عن حجمها أو موقعها أو طبيعة نشاطها.
ويعكس ارتفاع نسبة الاستجابة للبلاغات وارتفاع مؤشرات الالتزام أن هناك تحولًا في ثقافة سوق العمل، يتمثل في إدراك متزايد لدى المنشآت والعاملين لأهمية الشفافية والالتزام، وهو ما يعزز مناخ الثقة ويقلل من النزاعات العمالية.
وتؤكد الوزارة أن المستقبل يتطلب من جميع المنشآت النظر إلى الامتثال كعنصر من عناصر التنافسية، وليس عبئًا إداريًا، حيث إن المنشآت الملتزمة تمتلك قدرة أكبر على جذب الكفاءات، والحفاظ على الموظفين، والحصول على الدعم الحكومي والتمويل المؤسسي.
وتعمل الوزارة في الوقت الراهن على مراجعة مستمرة للوائح وأنظمة العمل بما يواكب المتغيرات في الاقتصاد العالمي والتقنيات الحديثة، وهو ما يجعل الرقابة اليوم جزءًا من منظومة إصلاح شاملة، لا تقتصر على العقوبات بل تشمل التحفيز والتطوير والتوجيه.
وفي ظل هذه الجهود المتصاعدة، يظهر جليًا أن سوق العمل السعودي يشهد مرحلة مفصلية من التحديث والتقنين، هدفها النهائي هو تحقيق بيئة عمل عادلة ومنتجة، تسهم في نمو الاقتصاد الوطني وتوفير فرص عمل مستدامة للمواطنين، ضمن إطار تنظيمي صارم وعادل.