في مشهد يعكس حجم الجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية لخدمة ضيوف الرحمن، انطلقت حملة توعوية واسعة النطاق تستهدف الحجاج القادمين من مختلف بقاع الأرض، وذلك عبر توزيع أكثر من مليون رسالة إرشادية بـتسع لغات عالمية، بهدف تيسير أداء المناسك، وتعزيز السلامة، وبث الوعي الديني والصحي والتنظيمي في صفوف الحجاج، وتُعد هذه المبادرة واحدة من أبرز مبادرات التواصل المباشر التي تعتمد على الترجمة الدقيقة والرسائل المصاغة باحترافية لتصل إلى قلب الحاج وعقله بلغته التي يفهمها ويطمئن لها.
وقد قامت الجهات المعنية بتنفيذ هذه الحملة في إطار تنسيق مشترك بين وزارة الحج والعمرة، ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، وعدد من الجهات الخدمية والأمنية والصحية، حيث عملت الفرق الميدانية على توزيع الرسائل الورقية والإلكترونية في المنافذ الجوية والبرية، وفي مراكز الاستقبال، وكذلك في مقار السكن والنقل ومحطات الحافلات والقطارات، بهدف ضمان وصول الرسائل إلى الحجاج في مختلف نقاط وجودهم ضمن رحلة الحج.
وتنوعت موضوعات الرسائل لتشمل جوانب متعددة تتعلق بكيفية أداء النسك، والإجابة عن الأسئلة الشائعة حول مناسك الحج، ومعلومات عن أوقات الرمي والتنقل بين المشاعر، والإجراءات الوقائية من الإجهاد الحراري، وتعليمات السلامة في الزحام، والإرشادات الصحية المتعلقة بالأوبئة والأمراض الموسمية، إلى جانب رسائل تربوية تذكّر الحجاج بآداب النسك وأخلاقيات التعامل مع الآخرين في الأماكن المزدحمة.
وتُرجمت الرسائل إلى تسع لغات رئيسية تغطي النسبة الكبرى من لغات الحجاج، أبرزها العربية، والإنجليزية، والفرنسية، والأوردو، والفارسية، والإندونيسية، والتركية، والهوسا، والبنغالية، ما يعكس وعيًا كبيرًا بأهمية التعدد اللغوي في الخطاب الديني والإرشادي، وسعيًا للوصول إلى الحجاج بأقرب أسلوب تواصلي إليهم، كما رُوعي في صياغة الرسائل البساطة والوضوح والاختصار، مع استخدام رسوم توضيحية وعلامات إرشادية تساعد على سرعة الفهم.
واستُخدمت عدة قنوات لنقل هذه الرسائل، حيث لم تقتصر الجهود على النشرات الورقية، بل شملت كذلك استخدام الرسائل النصية القصيرة (SMS)، والمنصات الرقمية مثل تطبيق "نسك" وتطبيقات التوعية التابعة للجهات الرسمية، بالإضافة إلى الشاشات الذكية داخل الحافلات ومحطات القطار، ولوحات الإعلانات الإلكترونية في الميادين الرئيسة ومداخل الجسور والأنفاق، ما أسهم في مضاعفة الأثر والوصول إلى أكبر شريحة من الحجاج في اللحظات الحرجة التي تحتاج إلى توجيه سريع وفعّال.
وقد شهدت هذه الحملة استجابة إيجابية من قِبل الحجاج، حيث التُقطت مشاهد عديدة تُظهر ضيوف الرحمن وهم يتبادلون هذه الرسائل فيما بينهم بلغاتهم المختلفة، ويُراجعونها أثناء التنقل، بل ويتفاعلون مع ما فيها من محتوى ديني وتوجيهي، ما يدل على أن الرسائل حققت هدفها في الوصول والتأثير، كما ساهمت في تقليل التساؤلات الميدانية، وساعدت على رفع جاهزية الحجاج لأداء المناسك بشكل صحيح وآمن.
ويؤكد مسؤولو الجهات القائمة على الحملة أن هذه المبادرة لم تأتِ من فراغ، بل جاءت بعد دراسات ميدانية وتحليل للبيانات المتعلقة بأنماط أسئلة الحجاج في السنوات الماضية، إذ تم تحديد أكثر المواضيع التي تهمهم، وأكثر المواقف التي يحتاجون فيها إلى التوجيه، ومن ثم جرى إعداد المحتوى بما يتناسب مع احتياجاتهم الواقعية، مع مراعاة الظروف الزمانية والمكانية المختلفة التي يمر بها الحاج خلال رحلته.
وتأتي هذه الحملة التوعوية استكمالًا لنهج المملكة القائم على الدمج بين التنظيم والخدمة والإرشاد، حيث لم يعد تقديم المعلومات للحجاج أمرًا ثانويًا، بل أصبح عنصرًا محوريًا في منظومة إدارة الحشود، كما أن استخدام اللغات المتعددة يمثل تطورًا نوعيًا في أدوات الخطاب الموجه، ويُظهر مدى الحساسية الثقافية واللغوية التي تعتمدها المملكة في تعاملها مع الملايين من الحجاج المتنوعين في خلفياتهم وتعليمهم وثقافاتهم.
وفي ضوء هذه النجاحات، تتجه الجهات المنظمة للحج إلى توسيع هذه المبادرات مستقبلًا، لتشمل أدوات أكثر تفاعلية، مثل مقاطع الفيديو القصيرة، والدروس المصورة، والبودكاست بلغات الحجاج، وتوسيع شبكة المتطوعين والمترجمين الميدانيين الذين يمكنهم تقديم المعلومات الفورية بلغات الحجيج، بما يعزز من جودة التجربة الدينية والإنسانية لكل من يحظى بشرف أداء الحج.
وتُعد حملة "مليون رسالة" نموذجًا حيًا للتخطيط المتكامل الذي يجمع بين التقنية والمعرفة والإنسان، ويجسد فلسفة المملكة في خدمة ضيوف الرحمن، ليس فقط عبر البناء والتجهيزات، بل أيضًا عبر الكلمة الطيبة والمعلومة الموثوقة، والرسالة التي تصل للحاج في وقته، بلغته، وبأسلوب يناسب رحلته الإيمانية الفريدة.