رغم القيود المتزايدة التي تفرضها الولايات المتحدة على قطاع التكنولوجيا الصيني، تسعى بكين إلى تجاوز تلك العقبات من خلال الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، في محاولة لتعزيز استقلالها في مجال تصميم المعالجات الدقيقة، وجاء أحدث هذه المحاولات في صورة نظام جديد أُطلق عليه اسم QiMeng، والذي يعتمد على نماذج لغوية كبيرة لتصميم رقائق المعالجة، في خطوة تُعد تحولًا لافتًا في استراتيجية الصين لمواجهة الهيمنة الغربية على قطاع أشباه الموصلات.
ويُعد QiMeng نتاجًا مباشرًا لجهود الأكاديمية الصينية للعلوم، التي ترى في الذكاء الاصطناعي حلاً عمليًا لتقليص الزمن والتكلفة المطلوبين لتصميم المعالجات، إذ أظهرت التجارب الأولية قدرة النظام على إنجاز عمليات تستغرق عادة أسابيع في غضون أيام قليلة، ما يمنح الصين أداة حيوية للتسريع في تطوير تقنيات خاصة بها بعيدًا عن الاعتماد على التكنولوجيا الغربية.
حتى الآن، نجح النظام في تطوير معالجين رئيسيين، هما QiMeng-CPU-v1 الذي يُحاكي أداء معالج Intel 486 القديم، وQiMeng-CPU-v2 الذي يُقارن بمعالج Arm Cortex-A53، والذي يُستخدم في العديد من الهواتف الذكية من الفئة المتوسطة والمنخفضة، هذه الخطوة، رغم أنها تبدو متأخرة تقنيًا، إلا أنها تُشكل قفزة هائلة في قدرة الصين على إنتاج معالجات داخلية وسط الحصار التقني المتزايد.
البيئة الدولية الراهنة أضافت زخماً لتطوير QiMeng، حيث تتعرض كبرى شركات التصميم الإلكتروني الأميركية مثل Synopsys وCadence وSiemens EDA لضغوط قوية من واشنطن للحد من تعاملها مع الصين، ما جعل هذه الشركات بحاجة إلى تراخيص خاصة لمزاولة أي أعمال هناك، وتُشكل هذه الشركات الثلاث حاليًا نحو 82% من سوق أدوات تصميم الرقائق في الصين، مما يجعل فقدانها تهديدًا مباشرًا للقدرات المحلية في هذا القطاع الحساس.
لم يكن الهدف من QiMeng فقط تخفيض التكاليف أو تسريع مراحل الإنتاج، بل تمتد طموحات المشروع لتشمل تجاوز التقنيات التقليدية وتحقيق نتائج تتجاوز أداء المعالجات المعتمدة حاليًا على الخوارزميات البشرية، فوفقًا للتقارير، فإن الإصدار الثالث المنتظر من النظام – QiMeng v3 – قد يُشكل منعطفًا حاسمًا، حيث من المتوقع أن يُثبت قدرة الذكاء الاصطناعي على تصميم معالجات حديثة تُواكب أو حتى تُنافس نظيراتها العالمية.
من الناحية التقنية، تُعد هذه الخطوة تكرارًا لما قامت به شركات مثل كادينس وسينوبسيس، اللتين استخدمتا الذكاء الاصطناعي لابتكار رقائق أكثر تعقيدًا، إلا أن النظام الصيني لا يزال متأخرًا عنها من حيث خوارزميات الأداء والتحقق، ومع ذلك، فإن الصين تعوّل على سرعة التطوير المحلي وكفاءة الذكاء الاصطناعي لتعويض هذا التأخر خلال السنوات القليلة المقبلة.
وفي وقتٍ تسعى فيه الحكومة الصينية لتحقيق الاستقلالية الكاملة في صناعة الرقائق، فإن QiMeng يُمثل بارقة أمل في هذا السياق، فهو ليس فقط أداة فنية لتصميم المعالجات، بل يُجسد أيضًا رمزًا لمقاومة الضغوط الجيوسياسية التي تهدف إلى عرقلة تقدم الصين التكنولوجي، وتُشير التقديرات إلى أن قدرة QiMeng على العمل بدون دعم مباشر من شركات EDA الأميركية ستكون حاسمة في السنوات القادمة، لا سيما في ظل استمرار التوترات التجارية بين واشنطن وبكين.
وبينما يتأهب العالم لمرحلة جديدة من سباق الذكاء الاصطناعي في تطوير الرقائق، تقف الصين في نقطة حرجة بين الطموح والتحدي، وإذا أثبت نظام QiMeng فاعليته في تصميم رقائق تُضاهي الأجيال الحديثة، فقد تُكتب صفحة جديدة من المنافسة العالمية في هذا المجال، بعيدًا عن الاحتكار الأميركي الذي دام لعقود،هل يُنقذ الذكاء الاصطناعي مستقبل الصين التكنولوجي.